هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟

فوزي أبوذياب

تتفاعل وتتزاحم الملفات الخلافية في لبنان وتتداخل فيما بينها، إقتصادية وسياسية وأمنية مع الملفات الإقليمية المتفجرة، وتتجمع عناصر القوة لكل جبهة من الجبهات مع نفسها وتتخذ أبعاداً تصعيدية خطيرة، فيما تعجز السلطة السياسية والقوى المكونة لها من ابتداع المخارج والحلول المرضية للجميع، لا بل تراوح اقتراحات الحلول الناقصة وغير الجادة في تكرار نفسها بصورة مملة، فسلسلة الرتب والرواتب التي يقابلها تصعيد الهيئات النقابية لن تسلك طريقها على المجلس النيابي، ما لم تتوفر لها مصادر التمويل الفعلية، وهذه المصادر من الصعب توفيرها ما لم تدخل الدولة بمؤسساتها كافة في ورشة إصلاحية لمكافحة الفساد والترهل المستشري فيها، وهذه الورشة دونه عقبات كبرى تقنية وسياسية، ما يؤشر إلى أن التصعيد ألمطلبي الذي نجحت هيئة التنسيق النقابية في حشده، وإن بلغ نقطة اللا عودة فهو لن يبدل في واقع الأمر شيئاً، ما لم تتبدل نصائح حاكم المصرف المركزي، وتتغير مواقف الهيئات الاقتصادية، وبالتالي مواقف رئيس الحكومة.

وليس بعيداً عن الهم الاقتصادي والمعيشي، تدخل البلاد في العاشر من آذار الجاري مرحلة جديدة إذ يبلغ الاستحقاق النيابي نقطة محورية، لناحية دعوة الهيئات الناخبة وبالتالي انطلاق التحضيرات والاستعدادات لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، والتي يعيد من خلالها اللبنانيين تشكيل سلطاتهم السياسية، هذا الاستحقاق المهدد بالتأجيل أو التعطيل كما يتوقع العديد من المحللين والمتابعين، بفعل غياب التوافق على قانون جديد يرضي جميع الفئات والمكونات السياسية والروحية، سيما وان معظم الاطراف السياسية أعلنت رفضها خوض الانتخابات وفق القانون الحالي والذي جرت إنتخابات العام 2009 على أساسه، والمسمى (قانون الستين).

وضاعف من ترجيح توقعات التعطيل أو التأجيل لهذا الاستحقاق الهام، وعلى الرغم من إصرار رئيس الجمهورية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، مراوحة الجهود التوافقية على صيغة مختلطة بين النظامين النسبي والأكثري مكانها، بعد جلسات ماراتونية للجنة النيابية المصغرة لم تصل إلى نتيجة مرضية، وبعد إقرار إقتراح القانون المعروف (بالمشروع الأرثوذوكسي) والذي تقدم به النائبان آلان عون ونعمة الله أبي نصر، والتصويت عليه في اللجان النيابية المشتركة، على الرغم من انسحاب نواب كتلتي المستقبل وجبهة النضال الوطني، ونواب مستقلين آخرين من الجلسة، وعلى الرغم أيضاً من إعلان شرائح سياسية وقانونية مهمة، رفضها لهذا المشروع وفي مقدمتها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، لما يحمل في طياته من أهداف تضرب للصيغة اللبنانية وخصوصيتها الفريدة وتناقض جوهر وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، وتخالف أحكام الدستور اللبناني، لناحية التمييز والتفرقة بين مكونات المجتمع، وما يتضمن هذا المشروع من مخاطر على الوحدة الوطنية وعلى ديمومة الاستقرار الأمني والسياسي.

كما سبق لرئيس الجمهورية أن أعلن تكراراً أنه سيطعن بأي قانون يخالف الميثاق الوطني، ما دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى القول: “أمامنا مشروع “اللقاء الأرثوذكسي” (انتخاب كل مذهب لنوابه) أو تطبيق المادة 22 من الدستور”، التي تنص على “استحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية، مع انتخاب مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي”، ما يعني أن الخلاف على قانون جديد، والاعتراض على القانون الحالي، سيدفع بالبلاد نحو أزمة وطنية كبرى وفراغ دستوري دونه مخاطر كبيرة ليس على المؤسسات السياسية فحسب إنما على أمن واستقرار البلاد برمتها ومكونات الدولة بمجملها.

مصادر دبلوماسية متابعة لتطور الامور في كواليس السياسة اللبنانية، ربطت بين الدفع بالتصعيد المطلبي بوجه رئيس الحكومة، وبين الإسراع بإقرار المشروع الارثوذوكسي وعرضه على التصويت في جلسة اللجان النيابية، للضغط على رئيس الجمهورية وإحراجه مسيحياً من جهة، وفرض تأجيل طوعي أو غير طوعي للإنتخابات النيابية من جهة أخرى، مقابل الرسائل الدولية والعربية التي أبلغت للقوى السياسية كافة بضرورة احترام الاستحقاقات الدستورية، لاسيما الانتخابات النيابية، والحفاظ على الاستقرار الداخلي، وعدم التورط في نيران الأزمة السورية المشتعلة .
المصادر ادرجت الاعلان المفضوح لمشاركة حزب الله في المعارك داخل سوريا، والبيان الصادر عن قيادة الجيش الحر وتهديده بقصف مواقع حزب الله في البقاع، وتصريحات العماد عون وأمين عام حزب الله تجاه الازمة البحرينية والصور المسيئة بحق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في سياق التمهيد لربط جبهات الصراع فيما بينها والتي تمتد من العراق إلى سوريا ولبنان والخليج العربي، ورأت المصادر أن لبنان لم يعد على رصيف الانتظار بل ادخل في خضم الصراع الاقليمي المشتعل في سوريا، وأن بعض القوى السياسية تريد فرز اللبنانيين بين محورين (ايراني ذات خلفية شيعية) و آخر (عربي – تركي ذات خلفية سنية ).
وأوضحت المصادر أن تطورات الأزمة السورية بدأت تفرض موازين قوى جديدة في المنطقة، تدفع بإيران نحو تصعيد المواجهة واستخدام أوراقها كافة في لبنان والعراق واللبحرين، ليس دفاعاً عن نظام بشار الأسد الذي أعتبرته القيادة الإيرانية خطاً أحمر، إنما فرض أمر واقع سياسي وأمني يعزز أوراق إيران التفاوضية مع المجتمع الدولي، وبالتالي فإن تأجيل الانتخابات النيابية وتعطيل الحياة في لبنان بعد فشل تمرير قانون انتخابي يعطي أرجحية نيابية لحزب الله و8 آذار، أفضل من السير في القانون الحالي (قانون الستين) وتجديد موازين القوى الحالية، وبالتالي خسارة ورقة التسوية على موقع رئاسة الجمهورية في أيار 2014.

وتتعزز قناعة المصادر السياسية بترابط جبهات الصراع بين لبنان وسوريا والعراق، ما صرح به رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ابن “حزب الدعوة” حليف إيران “إن انتصار الثورة في سوريا سيتسبب بنشوب حروب أهلية في العراق ولبنان. والكلام هذا يشكل تهديداً لاطراف عراقية ولبنانية، بدأت تعلن أن سقوط نظام الاسد سيدفعها أثمان باهظة ، وان المد الشيعي الايراني سيقاتل في كل من لبنان والعراق من اجل منع عودة عقارب الزمن الى الخلف، وما قصده المالكي يدل على “ان شيعة العراق سيقاتلون للاحتفاظ بالغلبة في النظام السياسي والامني العراقي، وان حزب الله لن يتأخر عن خوض حرب داخلية منعا لاعادته الى حجمه الذي خرج منه في السنوات الاخيرة. وهذا الكلام يلتقي مع كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حين أطلق تهديدا للخصوم في لبنان بقوله:”احذروا الحسابات الخاطئة معنا “.

ما يؤكد برأي المصادر ارتباط الملفات الداخلية بخصوصيتها اللبنانية مع الملفات الاقليمية الكبرى، سيما وأن التفكير الجدي في الدوائر التابعة لايران في العراق ولبنان، بدأ يبحث في مرحلة ما بعد بشار الاسد، على قاعدة التهديد بحروب اهلية هنا وهناك اذا حاول العراقيون او اللبنانيون استثمار انهيار الاسد ونشوء سوريا معادية للسياسة الايرانية في المنطقة، وخصوصا ان التغيير في سوريا يستحيل ألا ينعكس بطريقة او باخرى على المعادلات التي قامت حتى الآن في لبنان والعراق على حد سواء.

لذا ترجح المصادر دخول لبنان في الاسابيع القادمة في حلقة تصعيد خطيرة قد تصل الى ما كانت عليه الاوضاع عامي 2007 – 2008 الذي منع انتخاب رئيس للجمهورية وفرض الفراغ الدستوري في موقع الرئاسة الاولى، والتي فرضت لاحقاً تسوية الدوحة بعد أحداث السابع من أيار، ما يعني أن البلاد قد تدخل في سياق تصعيدي جديد بعد العاشر من آذار، ما لم تقدر القوى السياسية خطورة مثل هذا الموقف، وبالتالي ترك لبنان مشتعلا إلى حين فرض تسوية شاملة تبدأ بقانون الانتخابات النيابية وشكل الحكومة المقبلة وشخص رئيس الجمهورية الجديد ومستقبل المحكمة الدولية، وهذا ما ستحدده أيضاً موازين القوى الاقليمية.

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة