حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

فوزي أبوذياب

تتجه الأنظار إلى البيت الأبيض حيت يتوقع أن يصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما أوامره العسكرية بتوجيه ضربة صاروخية موجعة إلى النظام السوري، بعد ما ثبت استخدام السلاح الكيميائي في الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من سنتين بين نظام آل الأسد المتحكم بالسلطة منذ ستينيات القرن الماضي، والمعارضة الشعبية التي انطلقت بتظاهرات سلمية في آذار 2001، قبل أن أجبرها النظام السوري على استخدام السلاح دفاعاً عن النفس، بفعل إفراطه باستخدام القوة العسكرية وقذائف المدافع والطائرات والصواريخ ضد الشعب الأعزل، وبعد أن رفض عدد كبير من الجنود والضباط أوامر القيادة العسكرية إطلاق النار على المواطنين وشكلوا ما بات يعرف بـ”الجيش الحر”.

العالم ينتظر قرار أوباما، تجاه سوريا، بعد كارثة الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية، الأربعاء الماضي في ريف دمشق، والتي حصدت ما يزيد عن ثلاثة آلاف ضحية، وما يزيد عن ستة آلاف إصابة معظمهم من الأطفال والنساء، وبعد أن ثبت استخدام الغاز السام ” الكيميائي” في إصاباتهم، وبعد أن تأكد تورط قوات النظام السوري في ارتكاب هذه المجزرة البشرية، وعلى الرغم من تأكيد مراجع غربية عديدة أن قوات النظام السوري استخدمت السلاح الكيماوي في أوقات سابقة وأماكن مختلفة من حمص وحلب، وفق ما رصد من حالات وإصابات مختلفة، إلاَّ أن هذه الاستخدامات كانت محدودة، وكأنها كانت تختبر صدقية وجدية المجتمع الدولي، وتمتحن صلابة مواقفه، وهذا ما سهل امكانية استخدامه لهذا السلاح بهذا الشكل المفرط في ريف دمشق وارتكابه هذه المجزرة البشعة.

استخدام سلاح الدمار الشامل “الكيماوي” هذه المرة له أبعاد خطيرة، ليس لناحية عدد الاصابات فحسب، إنما توقيت استخدامه المتزامن مع وصول فريق اللجنة الدولية المعنية بالتحقيق في استخدام السلاح الكيماوي إلى دمشق، وإقامتهم في فندق قريب من موقع حدوث الجريمة، وتزامن ارتكاب المجزرة بعد عام على إعلان الرئيس الأميركي “إن استخدام السلاح الكيماوي يشكل خطاً أحمر ويتطلب نوعاً آخر من الرد”.

أما وقد ثبت استخدام الكيماوي، فبات البيت الأبيض والرئيس الأميركي باراك أوباما أمام وضعية جديدة تتطلب إصدار موقف حاسم تجاه معاقبة مستخدمي السلاح الكيماوي في سوريا. وبعيداً عن الجدل البيزنطي الإعلامي عن مسؤولية الاستخدام والأدلة التي تطالب بها روسيا ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، والتي لا تشكل مبررا لردع الجريمة، والتي من الممكن أن تتكرر في أي لحظة، فإذا ثبت استخدام السلاح الكيماوي من قِبل النظام فهذه مصيبة، وإذا ثبت استخدامه من قِبل المعارضة، فالمصيبة مزدوجة لأن ذلك يعني أن السلاح الكيماوي بات خارج السيطرة.

لكن ما ثبت فعلا وفق المعلومات المتوفرة أمام زعماء دول القرار في العالم، هو أن النظام السوري هو من استخدم هذا السلاح، وهذا ما أكده أكثر من وزير خارجية، وكشفته معظم وسائل الإعلام، كما وإن الصور الملتقطة عبر الأقمار الإصطناعية أكدت تورط النظام السوري في ارتكاب مجزرة الغوطة، وبالتالي فإن استخدام القوة ومعاقبة مرتكبي الجريمة بات أمراً لا تراجع عنه، بعيداً عن موافقة مجلس الأمن والإجماع الدولي فيه، سيما وأن قراراً دوليا صدر عام 2005 يتيح للقوى الدولية استخدام القوة لردع أي جريمة تندرج في سياق “جرائم ضد البشرية”، واستخدام السلاح الكيميائي هو بمثابة جريمة ضد الإنسانية.

وفي مداخلته الأخيرة حول سوريا بعد المجزرة الكيماوية في الغوطة، تحدث الرئيس الأميركي عن المصالح القومية الأميركية، ما يعني أن تجاوز النظام السوري للخطوط الحمر التي وضعها الرئيس أوباما، لا تعني مصداقيته الشخصية ومكانة موقعه فحسب، إنما مرتبطة “بمنع إقامة سابقة خطيرة تتمثل في استخدام السلاح الكيماوي دون عقاب”، وبالتالي السماح بارتكاب خرق لعرف دولي قائم منذ الحرب العالمية الأولى. وهنا تكمن المصالح القومية الأميركية ومصالح المجتمع الدولي، لذلك لا يمكن للرئيس الاميركي أوباما، ولا لقادة العالم أن تقف على الحياد متفرجة أمام مجزرة الكيماوي والمجازر ضد البشرية التي ارتكبت وترتكب يومياً ضد الشعب السوري.

مصادر عسكرية في المعارضة السورية فضلت عدم ذكر اسمها، كشفت “للأنباء” أنها تلقت معلومات مؤكدة من قيادات غربية، “بأن الساعات المقبلة والأيام القليلة القادمة ستشهد أحداثاً مفصلية، لم تشهدها المنطقة منذ حرب العراق، وأن قراراً بتوجيه ضربة عسكرية عقابية قاسية ضد النظام السوري، قد تم الاتفاق عليه بين مجموعة الدول الصديقة للشعب السوري، وأن هذه الضربات ستطال مركز القيادة والتحكم في سوريا، ومواقع المدفعية الاستراتيجية، والصواريخ البالستية، ومخازن الأسلحة غير التقليدية والكيميائية، ومواقع مختلفة من ضمنها المطارات العسكرية”.

وكشفت المصادر أن لا قرار دولياً بدخول قوات عسكرية غربية إلى الاراضي السورية، وأن العملية، قد تستغرق يومين أو ثلاثة، ستتيح لقوات المعارضة السورية والجيش الحر التقدم في محاور عدة، وحسم المعركة مع قوات النظام في مناطق مختلفة، ما يمكنها من السيطرة الميدانية وقلب الموازين العسكرية، ورأت المصادر أن تلك العمليات قد لا تسقط نظام بشار الأسد وتنهي الصراع العسكري، إنما تمهد لفرض حل سياسي في “جينف 2” بشروط المجتمع الدولي والمعارضة السورية.

وكشفت المصادر أن القوى الدولية المشاركة في العملية العسكرية، مطمئنة لعدم دخول روسيا في المعارك إلى جانب النظام السوري، وهذا ما أعلنه وزير الخارجية الروسي لافروف في مؤتمر صحافي حذر فيه من مخاطر استخدام القوة ضد النظام السوري، وأعلن في خلاله أن موسكو لن تشارك في أي حرب دفاعا عن النظام السوري، وأضافت المصادر قائلة “إن ايران تلقت عبر موفدين دوليين، تطمينات تفيد بأن اسرائيل لن تشارك في هذه العمليات، وأن المفاعل النووية الايرانية والمواقع العسكرية الايرانية خارج سوريا، ليست مدرجة ضمن لائحة الاعمال العسكرية الحالية، ما لم تُدخِل ايران نفسها في هذه الحرب”، وعن دور حزب الله قالت المصادر ” إن حزب الله والميليشيات العراقية التي تقاتل الى جانب النظام في سوريا سوف تدفع ثمن تورطها في قتل الشعب السوري”.

مصادر غربية أكدت أن الاستعدادات العسكرية التي تقوم بها الدول المشاركة في حلف “شمال الأطلسي”، تؤشر الى “أن قرار توجيه ضربة عسكرية الى سوريا بات مؤكداً دون تحديد تفاصيل أخرى”، ورجحت المصادر تنفيذ “عمل عسكري ضد سوريا في الايام المقبلة” شبيه بذلك الذي نفذته دول الحلف في كوسوفو العام 1999″، وهذا ما تؤكده المواقف السياسية لقادة دول فرنسا وبريطانيا.

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أكد أمام سفراء فرنسا في العالم، “أن بلاده جاهزة لمعاقبة من قرروا ازهاق أرواح مدنيين أبرياء بالغاز في دمشق الأسبوع الماضي وأنها ستزيد دعمها العسكري للمعارضة السورية. وقال هولاند “انه يبدو من المؤكد أن قوات الرئيس السوري بشار الأسد وراء الهجوم بسلاح كيماوي الذي يعتقد أن مئات المدنيين قتلوا فيه وتابع إن مسؤولية العالم الخارجي أن يرد على ذلك”.

أما رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، فقد دعا البرلمان البريطاني إلى عقد اجتماع استثنائي لبحث الأزمة السورية، فيما أعلن المتحدث الرسمي باسمه “أن القوات المسلحة البريطانية تضع خططاً لعمل عسكري محتمل رداً على هجوم كيماوي مفترض في سوريا” وقال “إن أي قرار سيتخذ سيكون في إطار عمل دولي صارم. وأي استخدام للأسلحة الكيماوية أمر مقيت وغير مقبول تماماً… والمجتمع الدولي يجب أن يرد عليه”.

هذه المؤشرات السياسية التي تواكبها تحضيرات عسكرية واتصالات دولية ناشطة، تؤكد أن المنطقة لا سيما سوريا، مقبلة على أيام خطيرة وصعبة، وأن لبنان لن يكون بمنأى عن تداعياتها.

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟