غزة تحت العدوان مجددا

فوزي أبوذياب

عاد قطاع غزة الى واجهة التصعيد الاسرائيلي، بعد اعلان اسرائيل فشل الوساطة المصرية مع حماس لتهدئة حال التوتر التي يعيشها القطاع منذ مدة حيث تمارس اسرائيل وحماس سياسة “الهدوء مقابل الهدوء”، ويبدو ان اسرائيل التي تتحين الفرص لمعاقبة قطاع غزة بعد عدوانها الاخير (الرصاص المصبوب في 2008-2009)، فإنها وبعد إعلان وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان فك الشراكة مع حزب الليكود بزعامة نتنياهو بسبب خلافاتهما حول الحرب على غزة، لجأت الى اتخاذ خطوات تصعيدية قد تأخذ طابع العدوان العسكري التدميري بما فيه احتمال شن حرب برية على غزة، حيث أن ليبرمان يدعو الى شن مثل هذه الحرب على غزة لتدمير البنى التحتية لحركة المقاومة الاسلامية (حماس)، وهو يشجع نواب المعسكر المتشدد في الليكود والذين لا يقلون تطرفا عنه الضغط على نتنياهو للقيام بعمل عسكري واسع يؤمنون بجدواه، ويرون انه يقطع الطريق على ليبرمان لتعزيز شعبيته على حساب ليكود.

وكانت الاذاعة الاسرائيلية قد مهدت لهذه الحملة بتحميل حماس مسؤولية التوتر بعد فشل الوساطة المصرية وأفادت الإذاعة أن القاهرة “تراجعت خطوات إلى الوراء في وساطتها لدى حماس لقبول شروط التهدئة”، مضيفة “أن مصر باتت تشعر بأن (حماس) معنية بالتصعيد العسكري من أجل تحسين وضعها واختراق العزلة الدولية والجدار القائم بينها وبين مصر”.

قال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في إيجاز للمراسلين العسكريين، إن إسرائيل لم تعد تعمل وفقاً لمعادلة “هدوء في مقابل هدوء”، بل تطالب (حماس) بوقف كلي وغير مشروط لإطلاق القذائف الصاروخية. وأضاف “أن الجيش على أتم الاستعداد لتوسيع عملياته في قطاع غزة، وأنه جنّد ١٥٠٠ جندي احتياط، ويتابع بشكل خاص أنفاقاً أقامها الفلسطينيون جنوب القطاع. ونفى مقتل سبعة ناشطين بقصف إسرائيلي، مشيراً إلى أنهم قتلوا أثناء تحضيرهم المتفجرات في القطاع، أي في حادث عمل”. وختم بأن (حماس) لم تعد توقف إطلاق الصواريخ بل تشارك في ذلك، وعليه نستعد للتصعيد”.

في المقابل، أكد قيادي فلسطيني أن السلطات المصرية سلمت كلاً من (حماس) و(الجهاد الإسلامي) رسالة تهديد إسرائيلية مفادها أنه ما لم يتوقف إلقاء الصواريخ، فإن غزة ستُضرب بقوة. وأضاف: “للمرة الأولى نشعر بأنهم أي (المصريون) لا يريدون أن يتدخلوا… نقلوا الرسالة وكأن ما يعنيهم هو نقلها فقط”. وتابع: “قلنا لهم عملياً إننا لا نريد التصعيد ونريد التهدئة… لكننا سنرد على كل قصف”. وحذر من أن كلفة الحرب ستكون عالية على الجانبين، وأن الصواريخ ستصل الى ما بعد تل أبيب، وقال: “في حال الحرب، فإن إسرائيل كلها ستذهب إلى الملاجئ”.

وكررت (كتائب القسام)، الذراع العسكرية لـ (حماس)، هذا التهديد، وبثت رسالة فيديو موجهة الى مستوطني مدينة بئر السبع مدته دقيقة واحدة مفادها: “أهربوا قبل فوات الأوان”. كما قال الناطق باسم (الجهاد) داوود شهاب إن اغتيال اسرائيل الفلسطينيين “يعني أنها شنت وأعلنت حرباً” على القطاع، وعليها انتظار النتائج. وأضاف أن “الحركة أعلنت النفير العام للرد”.

وكان الجيش الإسرائيلي قد بدأ صباحاً عملية عسكرية على قطاع غزة أطلق عليها تسمية “الجرف الصامد”. حيث أصيب 22 فلسطينيا في أكثر من 80 غارة شنتها الطائرات والزوارق البحرية والمدفعية الإسرائيلية على مناطق عدة في القطاع. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه مستعد لأن “تشمل العملية الجارية اقتحاما بريا لغزة”. الناطق باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي أدرعي أشار الى أنه “من بين الأهداف التي تم قصفها 4 منازل لنشطاء حماس و18 موقعا استخدم لإطلاق الصواريخ و3 منشآت عسكرية و10 أهداف للبنى التحتية”، لافتاً الى أن “قيادة الجيش الإسرائيلي أعدت عملية تتصاعد بصورة تدريجية وفقا للتطورات على الأرض”. وأكد أن “حماس دخلت المعركة وهي في مأزق حقيقي وتهديدات الحركة تنطلق من هذه الحالة”، مضيفاً أن “الجيش الاسرائيلي يواصل حشد القوات البرية بمحاذاة قطاع غزة استعدادا لأن تشمل العملية اقتحاما بريا”. وقال: “إذا أرادت حماس الهدوء فيجب أن تتوقف عن إطلاق الصواريخ فورًا”، لافتاً الى انه “إذا استمرت الاعتداءات الصاروخية الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة فإن قوات الجيش ستوسع نطاق عملياتها”.

بدورها، أعلنت كتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لـ (حماس)، أن “العدو الصهيوني الجبان يعلن عن بدء عدوان جديد على قطاع غزة وكأنه لم يفهم رسالة القسام عبر صواريخه التي دكت بعضا من بنك اهداف القسام داخل الكيان.” وتابعت في بيان بثته على موقعها الالكتروني “على قيادة العدو ان تتحمل هذا الاجرام وهذه السياسة الهمجية وقد اعذر من انذر.”

ولفت اياد البزم الناطق باسم وزارة الداخلية لفرانس برس، الى ان “اكثر من سبعين غارة نفذتها طائرات الاحتلال الاسرائيلي على مناطق القطاع.”

واكد انه “تم استهداف خمسة منازل مع بدء العملية الاسرائيلية العسكرية العدوانية هي منزلان لمواطنين من عائلة ابو دقة والعبادلة في خان يونس وثالث لعائلة الحشاش في رفح (جنوب) ،ولعائلة الزعبوط في حي الزيتون (شرق مدينة غزة) ولعائلة شبات في بيت حانون (شمال) ما ادى الى تدميرها واضرار في عدد من المنازل المجاورة.” وطال القصف الجوي الاسرائيلي بحسب البزم مواقع تابعة للفصائل الفلسطينية واراضي زراعية ومناطق غير ماهولة، مشيرا الى ان “الزوارق الحربية شاركت في عملية القصف المتواصل على القطاع.”

مصادر سياسية مطلعة رجحت ان يدخل قطاع غزة مرحلة من التصعيد والعنف واحتمال ان تلجأ إسرائيل الى شن عدوان واسع النطاق على القطاع، بهدف رسم حدود دولتها الجديدة معتمدة الحدود الطبيعية المساعدة والممتدة من غزة الى غور الأردن، حيث لا تستبعد المصادر ان تنتقل شرارة التصعيد تلك الى مناطق الضفة الغربية، بهدف تغيير معالم الحدود التي انسحبت منها بفعل التسويات التي جرت على خلفية حل الدولتين ومبادرات السلام.

المصادر ربطت بين فشل الحلول السلمية واستقالة المبعوث الاميركي مارتن إنديك من مهمته كمبعوث لعملية السلام في الشرق الاوسط، واطلاق العنان لطموحاتها التوسعية، مستفيدة من تراجع قدرة الرئيس الاميركي باراك اوباما التأثير على نتنياهو بفعل انشغال البيت الابيض بالانتخابات النصفية لمجلسي الشيوخ والبرلمان الاميركيين، ونتائج الحملة السياسية التي كانت قد مهدت لها اسرائيل بالتحذير من مخاطر توسع سيطرة (داعش) على مناطق واسعة من العراق وسوريا وبالتالي اقترابها من حدود اسرائيل الشمالية، متهمة حماس بارتباطها بهذه الجماعات، ورأت المصادر ان إسرائيل التي تترقب بقلق تحولات المنطقة العربية ومجريات الحوار الغربي مع ايران حول برنامجها النووي، وجدت الفرصة مناسبة للانقضاض على غزة واطلاق العنان لوحشيتها العدوانية، بعدما اعلنت رفضها للمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، ومستفيدة من الخلاف القائم بين القيادة المصرية الجديدة وحركة حماس على خلفية دعم الأخيرة للرئيس المخلوع محمد مرسي واتهام (حماس) بالتورط في اعمال مخلة بالامن في منطقة سيناء.

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟