جنبلاط وحَمَلة أختام الكاوتشوك

ماهر شرف الدين (زمان الوصل)

لو جُمعت البيانات التي أصدرها نظام الأسد في السويداء -ممهورةً بتواقيع مشايخ ووجهاء- ضدّ وليد جنبلاط لملأت سلَّة كبيرة من المهملات.
فمنذ أن أعلن جنبلاط موقفه الداعم للثورة السورية، والنظام مع ذيوله -من سوريين ولبنانيين- يُدبّجون البيانات ضدّه ويرسلونها كي تُختم بأختام مشايخ ووجهاء اعتقدوا، واهمين، بأن امتلاكهم لختم مصنوع من الكاوتشوك يُخوّلهم الحديث باسم دروز سوريا.
والحقّ أن ما يزعج النظام وذيوله -في الجبلَيْن- هو أن حيثية وليد جنبلاط في السويداء -على الرغم من شراسة الحملة عليه- لم تهتزّ… إلا لدى الأقلّية الانتهازية المرتبطة ارتباطاً عضوياً بمصالح النظام الطائفي، والتي هان عليها أصلاً تراث سلطان الأطرش، فكيف لا يهون عليها تراث كمال جنبلاط ودمه الذي أُريق على يد العصابة المارقة في القرداحة! (للمفارقة التاريخية، الأليمة والدالَّة، أن المدعوَّة كنانة حويجة عرَّابة صفقة نقل مقاتلي “داعش” من مخيّم اليرموك إلى بادية السويداء وما أعقب تلك الصفقة من هجوم دموي على القرى الشرقية في الجبل بتاريخ 25 تمّوز الفائت هي ابنة أخ اللواء إبراهيم حويجة المسؤول المباشر عن عملية اغتيال كمال جنبلاط سنة 1977).
في العمق، إنّ مشكلة حَمَلة أختام الكاوتشوك في السويداء هي مع كل صوت رافض للتبعية، مع كل صوت رافض لـ”حلف الأقلّيات” المدمّر، مع كل صوت يرفض تحويل سلطان الأطرش إلى مجرَّد صورة تُعلَّق في المضافات.
إنَّ مشكلة حَمَلة أختام الكاتشوك هي مع أهل السويداء أنفسهم قبل أن تكون مع سواهم. هل ننسى البيانات الممهورة بأختام هؤلاء ضدّ حركة الشيخ وحيد البلعوس، وضدّ أي تحرّك -حتى لو كان تحركاً مطلبياً بحتاً- في الجبل، بل وحتى ضدّ المنشورات المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي؟!
لقد بلغ أمر البيانات مبلغاً من الإسفاف راح فيه ذيول النظام في لبنان يكتبون بيانات التضامن مع أنفسهم بأنفسهم، ويرسلونها إلى حَمَلة الأختام في السويداء لختمها وإصدارها في الإعلام.
فعل ذلك، قبل أيام، المدعو وئام وهاب حيث كتب بيان تضامن مع نفسه بنفسه وأرسله كي يُختم في السويداء! وقبله كتب طلال أرسلان، بخطّ يده، بياناً ضدّ جنبلاط وختمه بختم أحد “الوجهاء”، لتطير به جريدة “الأخبار” إلى صفحتها الأولى محاولةً إعطاء ذلك “الوجيه” حيثيةً أضحكتْ كلَّ من قرأ الجريدة صباح ذلك اليوم. (وصل الإسفاف منتهاه مع استخدام النصَّاب أيمن زهر الدين في إصدار البيانات. فمن المعروف أن هذا الشخص هو نزيل سابق في سجون لبنان، وقد جاء للإقامة في السويداء متلبّساً بزي الدين على أمل ألا يعرفه أحد. لكن فضيحته سرعان ما انتشرت وعمَّت، وقد زاد طينتها بلَّةً حادثة اقتحام نجله إحدى المدارس وهو في حالة سكر شديد ما دفع مدير المدرسة إلى تقديم الاستقالة).
في مقابل ذلك، لم تستأهل أحداث كبرى في الجبل إصدار مثل تلك البيانات: استشهد أكثر من أربعين معارضاً من زهرة شباب السويداء تحت التعذيب في سجون النظام، واغتيل البلعوس مع العشرات من رفاقه في تفجير موكبهم، وفُصِلَ مئات الموظّفين في المحافظة من وظائفهم بسبب خيارهم السياسي المعارض… دون أن يُكلِّف “الختَّامون” أنفسهم عناء إصدار بيان إدانة واحد!
لا أكتب اليوم دفاعاً عن أحد، بقدر ما أكتب دفاعاً عن نفسي وعن أهلي الذين يحاول إعلام المحور الطائفي خنق أصواتهم. دفاعاً عن صوت الجبل الذي يحاول حَمَلة الأختام تزويره. دفاعاً عن صيحات الذين داسوا تمثال حافظ الأسد في وسط السويداء وجرفوه بجرافة البلدية المخصَّصة لتجميع زبالة المدينة.
لقد طفح الكيل من حَمَلة الأختام الذين يحسبون صوت دروز سوريا شقَّةً ينتفعون من إيجارها. لقد طفح الكيل من حَمَلة نعش كرامتنا الذين يحسبون أنفسهم مشايخ ووجهاء دون أن ينتبهوا إلى أنهم قد تحوَّلوا إلى مجرَّد معقّبي معاملات للذلّ والهوان والشتيمة.
*معارض سوري