رئيس حزب/ وليس (… سابقاً)/ بقلم د. خليل احمد خليل

حتى لا يطغى الإيهامُ – تضليل الإعلام – على علم الإعلام، نرى من المفيد التنبيه إلى مركزية موقع الرئيس في منظومة الحزب التقدمي الإشتراكي، بعدما صار رئيسه الحالي يوصف عشوائياً بصفة “نائب سابق” – وهو الآن وصف موضوعي لموقع الرفيق وليد جنبلاط/ نيابياً، لو لم يكن في الوقت عينه الرئيس الثاني للحزب منذ 1977 حتى اليوم. وكذلك، وصفه “وزير سابق” أو “رئيس اللقاء الديمقراطي”.

صحيح أن هذا الحزب، أو الأمير الجنبلاطي الحديث، لم يُولد حزباً رئاسياً منذ تأسيسه وإعلانه ميثاقياً في 1949/5/1. سوسيولوجياً، قامت هيئة بتأسيس هذا الحزب، ولم يكن كمال جنبلاط سوى رمز تأسيس لهذا الحدث. وهو أنه نقل الجنبلاطية، وهي ظاهرة وطنية سياسية جامعة، من إطار “الغرضية” إلى سياق التقدمية الإشتراكية، وبذلك قطع أنثروبولوجياً مع “جنبلاطية تقليدية” طورها إلى جنبلاطية تقدمية أخذ فيها “الرفيق” مكان “الزلمة”. يشير برنارد لويس إلى أن الإسماعيليين هم أول من استعملوا هذه الصفة بالمعنى السياسي الحديث.

وحيث إن كمال جنبلاط، زعيم الجنبلاطية الجديدة، كان يحمل رقم بطاقة حزبية (1)، صار ينادى بالرفيق الأول، ولكن في اطار تنظيم الحزب الآخذ في النمو والإنتشار، عُرف الرفيق الأول، ما بين 1949 و 1953، بصفة الأمين الأول، وكان إلى جانبه في التنظيم “الأمين العام” للحزب. وكلاهما يديران الحزب الجديد من خلال مجلسين: مجلس الإدارة (المعدل عام 1974) بمسمى “مجلس القيادة” أو “المكتب السياسي”؛ ومجلس المفوضين (المفوض هو رأس جهاز تنفيذي، كما في تجربة لينين، وهو بمثابة وزير في الحكومة).

ولكن، منذ 1953 حتى اليوم، صار للحزب رئيس يتقدم في موقعه على كل موقع آخر يتولاه. للمثال نذكر بأن كمال جنبلاط ذو موقعين ودورين: فهو أولاً رئيس حزب، ومن جهة ثانية زعيم وطني (درزي/جنبلاطي/تقدمي إشتراكي) محبوب.

وكانت رئاسة الحزب والزعامة الوطنية التقدمية متلازمتين تلازم الرئاسة (Headship) والقيادة (Leadership). منذ 1943، كان كمال جنبلاط نائباً، فوزيراً، فأميناً لسرّ الجبهة الإشتراكية الوطنية، فرئيساً لجبهة النضال الوطني، وللحركة الوطنية اللبنانية…

وأيضاً للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية. ومع ذلك، ظلّ رسمياً، في الإعلام، يوصف بصفته المركزية: رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي.

يبقى اللافت الحاصل هو ان كمال جنبلاط، بتأسيسه الحزب، إنما نقل الزعيم الجنبلاطي  (السري الأمثل، حسب عبارة الست نظيرة في رسائلها إلى كمال جنبلاط في مدرسة عينطورا) من عباءة القدر، إلى حرية الاختيار (كما في القسم الحزبي). اللافت أن الزعامة الجنبلاطية توريث (عام 1942)، وإن الرئاسة الجنبلاطية تأسيس على توريث – مع مفارقة: بعد استشهاد كمال جنبلاط، قام حزبيون بالباسه عباءة الزعامة؛ ومع وليد جنبلاط (2017) جرى إلباس نجله تيمور (أو جنبلاط)، وبيده مع جمهور حاشد، عباءة الجنبلاطية التقدمية. وعليه تولى وليد جنبلاط زعامة الجنبلاطية على مدى أربعين عاماً (1977-1917)؛ ولكنه استمر على رأس الحزب منذ تاريخه حتى اليوم. للتذكير، نلفت إلى أن الرفيق وليد جنبلاط، الذي ورث زعامة، لم يرث حزباً… ولم يكن نائباً أو وزيراً، حتى يجمع بين “الغرضية” و “الوظيفة”، حسب مصطلحات متداولة في حقبة ما قبل تأسيس الحزب. كما نلفت، هنا والآن، إلى أن رئاسة الحزب موقع مركزي، اختياري؛ وأن دور رئيس الحزب هو غير دور رئيس اللقاء الديمقراطي (البرلماني)، إذ هو رأس السلطات في الحزب وفي سياسته العامة.

والحال، فإن المشهد جديد تماماً؛ وليد جنبلاط، ثاني رئيس للحزب، وثاني زعيم للجنبلاطية التقدمية؛ فيما الرفيق تيمور جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي البرلماني، هو الزعيم الثالث للجنبلاطية التقدمية والإشتراكية، هل سيتغيّر المشهد؟ وهل سيصير رئيس اللقاء الديموقراطي رئيساً ثالثاً للحزب التقدمي الإشتراكي؟ هذا ما سيقرره الحزب الذي أثبت على مدى سبعين عاماً أنه “ضرورة وطنية” وأنه “باني دولة ديموقراطية” و “جامع مناطق وطوائف”…

مع وليد وتيمور نشهد تجديداً في العلاقة بين الحزب والديموقراطية، ونأمل عشية الذكرى (101) لمولد المعلم، أن نشهد نهضة لهذا الحزب، الغني بالكفاءات والإمكانات، حزب الشهيد كمال جنبلاط ورفاقه (منذ حسان ابو اسماعيل حتى…)، حزب الألفين وخمسمئة شهيد وألوف الأحياء الشهداء. إنهضوا وتجددوا، هكذا أعلن رئيس الحزب وليد جنبلاط. فماذا تنتظرون؟

(الأنباء)