ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

فوزي أبوذياب

 اعتاد اللبنانيون على قراءة الرسائل الأمنية بدقة فائقة، لاسيما الصاروخية منها، والتي تشبه رسائل العناصر “غير  المنضبطة”، خلال الحرب الأهلية، والتي كانت تعبر عن حقيقة مواقف القوى السياسية غير المعلنة، من مجريات الاحداث أو التطورات السياسية المختلفة، كما اعتاد اللبنانيون على أشكال مشابهة من تلك الصواريخ في قرى جنوبية عدة، والتي كانت تطلق على الأراضي الفلسطينية المحتلة لأهداف “تذكيرية”، أو “لإشعال الجبهة الجنوبية”، أو لأهداف أخرى مرتبطة بالتجاذبات السياسية الداخلية، أو للضغط على الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو لتوجيه رسالة سورية الى حزب الله مثلاً أو الى الرئيس المغفور له الياس الهراوي، على موقف اتخذه دون موافقة سلطة الوصاية السورية في ذلك الحين.

بعض هذه الصواريخ كانت تكتشف منصاتها قبل إطلاقها، وبعضها الآخر كانت تطلق ولا تحقق إصابات محددة بحيث انها لا تستجلب الرد الإسرائيلي.

ميزة تلك الصواريخ، أنها كانت تتزامن وتنسجم مع بعض المواقف السياسية النارية التي يطلقها فريق ضد فريق آخر، أو حملات إعلامية عاصفة لا تقلل خربشة عن تلك التي تحدثها تلك الصواريخ على أرصفة الطرقات، أومقالات صحفية من كتبة مشهود لهم بارتباطاتهم السياسية وبنقلهم للرسائل المختلفة الأشكال من جهة إلى أخرى، والرابط  بين تلك الصواريخ أن أهدافها السياسية كانت معلومة من الرأي العام اللبناني، لكن العناصر المتورطة  بتركيب تلك الصواريخ، ونقلها وإطلاقها والجهة التي كانت تقف خلفها كانت ولا تزال في طي الكتمان، لا بل فإن ملفات التحقيق المفترض إعدادها لمتابعة تلك الخروقات الأمنية الخطيرة كانت تقفل أو تختفي في الأدراج، ليس لاستحالة كشفها بل لأن الجهة التي تقف خلفها تتقدم سلطتها أو تفوق قدرتها على قدرة السلطات الأمنة المعني بالكشف عن تلك الجرائم، أو لأن تلك الرسائل قد حققت أهدافها.

  الصواريخ التي سقطت في محيط القصر الجمهوري ووزارة الدفاع الوطني في بعبدا، ليل الأول من آب، وقبلها صاروخ “الغراد” الذي انفجر في سماء الكحالة ليل 21 حزيران، والصواريخ التي أصابت الشياح ومار مخايل صبيحة يوم الأحد السادس والعشرين من أيار، تندرج في سياق تلك الصواريخ “غير المنضبطة” والتي تحمل في كنفها رسائل سياسية مفخخة. فالصواريخ التي اصابت منطقة بعبدا والتي انفجرت عقب ساعات من خطاب رئيس الجمهورية في عيد الجيش في اليرزة، اعتبرها أكثر من مراقب أنها رسائل حصرية موجهة الى رئيس الجمهورية، بعد الانتقادات المباشرة التي وجهها رئيس الجمهورية الى حزب الله، والذي قال فيها “أن مهمة الجيش تستحيل إذا استمرت ازدواجية السلاح الشرعي وغير الشرعي”، وانتقد فيه ايضا خروج سلاح المقاومة عم مساره، لاسيما مشاركته في الصراع الدائر بين النظام والمعارضة السورية، وقال ” نجد وجوب اعادة النظر بالإستراتيجية الدفاعية، خصوصا بعد أن تخطى سلاح المقاومة الحدود اللبنانية”، سليمان الذي دعا الى حماية الجيش من الانقسام السياسي والطائفي، قال “أن الجيش لم يأخذ يوما على عاتقه معالجة أزمة سياسية أو نزاعا طائفيا أو انخراط بعض اللبنانيين في القتال الخارجي تناقضا مع العقد الإجتماعي الذي تجلى بإعلان بعبدا”.

انتقادات رئيس الجمهورية تلك استكملها بدعوة للإسراع بتشكيل حكومة حيادية، والتي يعارضها حزب الله، حيث سبق لأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله أن قال في خطاب له رداً على إدراج الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب “لن تتشكل حكومة في لبنان لا يتمثل فيها حزب الله”، ما يعني أن حزب الله يرفض كلام رئيس الجمهورية، جملة وتفصيلاً وأنه إن لم يرد بموقف سياسي معلن من قيادته، فإن الحملة الاعلامية التي شنتها صحيفة الأخبار الممولة من حزب الله والتي دعا فيها رئيس تحريرها رئيس الجمهورية الى الرحيل، والمواقف التي أطلقتها بعض القوى القريبة من الحزب ومنها العماد ميشال عون الذي قال: إن “رسالة الصواريخ محددة وسليمان لا يخاطب بهذا الأسلوب، أنا معارض له لكن لا يجب القصف على القصر الجمهوري ولا على أي رمز وطني”.

ذلك يعني أن الرسائل الصاروخية التي أصابت بعبدا والموجهة الى رئيس الجمهورية، هي بمثابة رد واضح من حزب الله وفريقه السياسي الرافض لكلام رئيس الجمهورية، والمعارض له، وأن هذا الفريق لا يتوانى عن تحويل معارضته السياسية لمواقف سليمان، ومن خلال هذه الرسائل المفخخة الى أزمة أمنية مفتوحة لا تقل قوتها عن قوة أصوات انفجارات تلك الصواريخ، اتي ترددت أصداؤها ليس في منطقة بعبدا فحسب بل في بيروت وأودية جبل لبنان أيضاً، وأن موقع الرئيس وموقع قيادة الجيش الذي أطلق منها الرئيس البلاد انتقاداته هي تحت مرمى تلك الصواريخ. وتحت نظر تلك القوى التي ارسلتها، ولعل هذا ما استدعى رداً مباشراً من رئيس الجمهورية أكد فيه، “ان تكرار الرسائل الصاروخية، كائنا من كان مرسلها واينما كانت وجهتها ومهما كانت درجة خطورتها والهدف الكامن وراء اطلاقها، لا يمكن ان يغير في الثوابت الوطنية والقناعات التي يتم التعبير عنها بالكلمة الحرة والصادقة، النابعة من ايمان بالمصلحة الوطنية العليا لتجنيب البلاد انعكاسات ما يحصل حولنا وفي المنطقة، ولضمان الاستقرار والوحدة بين اللبنانيين من خلال العودة الى التزام اعلان بعبدا وصون التماسك الوطني في هذه الظروف الدقيقة بالذات”.

المصادر المراقبة ربطت بين رسالة صواريخ بعبدا تلك ورسالة صاروخ “الكراد” التي انطلق من منطقة البلونة في كسروان، وانفجر فوق الكحالة ليل العشرين من حزيران والذي اعقب اطلاقه توجيه رئيس الجمهورية مذكرتين احتجاجيتين الى كل من الجامعة العربية والأمم المتحدة، استنكاراً ورفضاً للاعتداءات السورية التي طاولت القرى الحدودية اللبنانية مع سوريا وسقط ضحيتها عدد من المواطنين، وبعد ان تقاعص وزير الخارجية والمغتربين عن توجيه تلك المذكرات، وأخذ الحديث عنها مد وجزر بين القوى السايسية، حتى وصل الامر الى انتقاد السفير السوري في لبنان موقع رئيس الجمهورية، وعدم تدخل الجيش اللبناني في ضبط الحدود مع سوريا، كما تزامنت تلك الرسالة الصاروخية أيضاً وترافقت مع الحملة السياسية والإعلامية الشرسة التي شنّتها قوى 8 آذار وأبواق نظام بشار الأسد ضد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بسبب مواقفه السيادية الأخيرة، وانتقاداته لسلاح حزب الله وتدخله في سوريا، واستدعائه السفير الإيراني الى بعبدا والطلب منه التدخل لدى حزب الله لسحب مقاتليه من سوريا، نظراً لانعكاس تلك المشاركة على السلم الأهلي والاستقرار الداخلي.

المصادر المراقبة رأت ان خطورة تلك الرسائل في معناها الذي يقول ان السقف السياسي الذي يتناول في انتقاداته حزب الله هو خط أحمر، وثمنه تفجير البلاد، وإن أي موقف سياسي لا يتوافق وسياسة الحزب الداخلية والخارجية سيكون ثمنه غالياً جداً، وإن من يريد الحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار الأمني في لبنان، عليه ان يأخذ مواقف حزب الله وخصوصية مواقفه بما فيها مشاركته في المعارك الدائرة في سوريا بعين الاعتبار. فإما أن يكون لبنان مستقرا وفق شروط حزب الله وضروراته الأمنية أو لا يكون.

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟