المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

فوزي أبوذياب

ساهم تلكؤ المجتمع الدولي وتآمره على الثورة السورية في تسعير الخلافات المتراكمة في صفوف المعارضة السياسية من جهة والعسكرية من جهة أخرى، كما أدى تردد القيادة السياسبة في اتخاذ الموقف الملائم بفعل القراءات المختلفة والآراء المتباينة بين أعضائها الى زعزعة الثقة بها وبقدرتها على قيادة المرحلة المقبلة لسوريا الحرة، ما انعكس هذا الواقع على الداخل السوري وأسهم في تشرذم المعارضة العسكرية الغير مرتبطة أساساً بالمعارضة السياسية بفعل الواقع التاريخي الذي كانت تعيشه سوريا منذ سيطرة حزب البعث على السلطة واستيلاء حافظ الأسد عليها لاحقاً. ما يبين أن المكون البيئي والطبيعي لتلك القوى غير متجانس اصلاً، وأن الرابط الوحيد بين المعارضات السياسية في الخارج والداخل، وبين المعارضات العسكرية بأجنحتها المختلفة، هو إسقاط نظام بشار الأسد، ومجموعته الأمنية والعائلية المتحكمة بهذا النظام.
هذه المقدمة التشخيصية لواقع المعارضة السورية، لا يبرر حتماً عدم قدرتها على صياغة رؤى وطنية جامعة تلتقي حولها القوى والتيارات المختلفة، ولا تبرر عدم قدرة القوى العسكرية والثورية بأطيافها المختلفة من توحيد وجهة بندقيتها نحو هدف أساسي ترفعه الثورة السورية منذ انطلاقتها. فالتدخلات الخارجية والوعود الدولية وتصديق قيادات المعارضة السياسية والعسكرية لهذه الوعود والسماح للتدخلات الخارجية من التدخل في الصغيرة والكبيرة والاستماع إليها، دون تغليب الرؤية الوطنية الجامعة، ما ساهم في زعزعة الثقة الداخلية بين أطياف المعارضة من جهة، والتباعد بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية من جهة أخرى. أضافة إلى ذلك عدم قدرة المعارضة على تجميع مصادر الدعم المالي والعسكري والإغاثي المختلفة في صندوق واحد يتولى التوزيع العادل لتلك الموارد بما يخدم الاهداف السياسية والعسكرية ومتطلبات الصمود والمواجهة، ما جعل العديد من قادة الجبهات والاتحادات والمنظمات رهن هذه المساعدات وتوجيهات مموليها ومن يقف خلفها أشخاص أو منظمات حكومية أو غير حكومية أو دول، وهم كثر، وبالتالي باتت المعارضة السورية معارضات مفككة.
لم تكن هذه الحقائق مخفية عن معظم قادة المعارضة، إلاَّ أن الإرباك الذي أصاب المجتمع الدولي بعد صرف النظر الأميركي عن الضربة العسكرية التي حشد لها الرئيس باراك أوباما الهمم والبوارج وعددا من الدول الداعمة للمعارضة السورية، وتفكك هذا الحشد وانكفائه خلف التسوية الاميركية – الروسية التي نجحت بتفكيك الترسانة الكيميائية السورية، وصرف النظر عن الحلول العسكرية لصالح الحل السياسي وفق مقررات (جنيف1)، واختلاف الاجندات الدولية وتضاربها مع مصالح الدول الداعمة والممولة لقوى المعارضة السورية (قطر – السعودية – تركية)، بعد توقيع الاتفاق التمهيدي بين إيران ومجموعة الدول الست (5+1) حول الملف النووي، وبروز المنحى الاستراتيجي الجديد للسياسة الأميركية، المرتكز على قاعدة ترتيب الملفات الدولية الأميركية- الروسية في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من الخلافات التي أشيع عنها بعد قمة العشرين في بطرسبرغ في أيلول الفائت، ما أضعف المعارضة السورية السياسية وأفقدها السيطرة على المعارضة العسكرية، التي باتت معارضات، فبرزت الخلافات الداخلية والاجندات المختلفة الخاصة منها والعامة، وانفجرت معارك مسلحة، ومشاريعا تقسيمية واتجاهات إسلامية متباعدة، منها السلفي والتكفيري والاصولي،على حساب القوى الوطنية المعتدلة والجيش الحر، وعلى حساب التقدم الذي كانت قد أحرزته قوى الثورة في مناطق عدة، ما مكن قوى النظام وحلفاءه من استعادة بعض المناطق، وفرض توازن عسكري جديد نجح النظام في الاستفادة منه ميدانياً وأعلامياً، بدعم روسي مبرمج في ظل انكفاء أميركي واضح ، لا سيما بعد صعود نجم القوى الاسلامية والجماعات الاصولية التكفيرية المرتبط منها بتنظيم القاعدة مثل (داعش) و(النصرة)، على حساب القوى الوطنية والجيش الحر.
مصادر مستقلة في المعارضة السورية ترى ان الصراع بين تنظيمات المعارضة وفصائلها المسلحة هو جزء من الصراع على السلطة، بالشكل وصراع بين الدول الاقليمية على سوريا في المضمون، وإن تفريخ الجبهات والتجمعات وتفكك أخرى، هو جزء من لعبة الولاءات لهذه الدولة أو تلك، وأنه بات من الواضح تراجع الدور التركي والقطري، على حساب الدور السعودي الذي أخذ على عاتقه مواجهة أي تسوية إقليمية لا تخدم مصالح الثورة السورية في إسقاط النظام ورأسه من جهة، والتمدد الايراني على العراق وسوريا ولبنان من جهة أخرى، وهذا ما يبرر برأي المصادر تشكيل (الجبهة الاسلامية) من تكتلات مسلحة قوية كانت منضوية تحت لواء الجيش الحر، وإعلان الولايات المتحدة الاميركية فتح الحوار معها بعد إعلانها تعليق المساعدات “غير الفتاكة” التي تُقدّمها إلى المعارضة السورية في شمال البلاد، في بعد أيام من سيطرة (الجبهة الإسلامية) على مقارّ ومستودعات الأسلحة التابعة لهيئة الأركان في “الجيش الحر” في إدلب على الحدود مع تركيا.
من جهته المسؤول السابق عن الملف السوري في الخارجية الأميركية فريديرك هوف رأى إن “سيطرة (الجبهة الإسلامية) على معدات مقدمة من أميركا لـ “الجيش الحر” تضع واشنطن اليوم أمام عواقب مباشرة لسياستها غير الجدية حول سورية”. واعتبر أن “دعم واشنطن أصلاً لـ “الجيش الحر” كان متردداً وغير متكافئ وخلفيته أن الانتصار العسكري غير ممكن في سورية، وبالتالي كان على الجيش الحر أن يبقى حياً من دون السيطرة”. وقال هوف إن “داعمي نظام الأسد وخصومه الإسلاميين يلعبون للنصر وليس لديهم القيود المفروضة على الجيش الحر”.
وأشار إلى أن هذه التطورات تعرقل حسابات الإدارة الأميركية وتحضيراتها لمؤتمر (جنيف 2) وأضاف أن “تهميش الذراع العسكري للائتلاف الوطني، يعطي (الجبهة الإسلامية) صفة البديل”. وهذا يتطلب إقناعها بضرورة التصرف بحنكة سياسية، وهذا ليس بالأمر السهل.
هذه المتغيرات الميدانية في ظل اندفاعة دولية لعقد مؤتمر (جنيف2) في 22 كانون الثاني المقبل، ودون رؤية واضحة لحل متكامل للأزمة السورية، يضع المؤتمر في مهب الريح، على الرغم من تأكيد شخصيات عديدة في المعارضة التقت السفير الأميركي في دمشق المعني بالملف السوري، “إصرار واشنطن على عقد المؤتمر”.
وكالة الأنباء الروسية (نوفوستي) نقلت عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله أن “تشرذم المعارضة يقلق روسيا خاصة وأن كافة أطرافها لا بد أن تكون ممثلة في (جنيف2)”.
وأشار لافروف إلى أن “المعارضة السورية يجب أن تتحلى بالعقلانية وألا تتنازع على تقسيم غنيمة ليست باليد، بل الحضور إلى مؤتمر (جنيف 2)”.
المجلس الوطني السوري المعارض المنضوي ضمن الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، أعلن منذ البداية رفضه حضور المؤتمر “ما لم يسبقه إتفاق أميركي – روسي واضح تجاه إقالة بشار الاسد وتسليمه السلطة لحكومة تتولى إدارة المرحلة الانتقالية”. تتفق مع هذا الموقف عدد من الجماعات المسلحة القوية، فيما يوافق “الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” المشاركة في المؤتمر ضمن وفد كبير يضم ممثلين عن القوى السياسية والعسكرية، وإذ يبدو هذا الموقف ملتبساً بفعل الشروط المتناقضة التي تعلنها قيادات من الإئتلاف، كتلك التي اشترطت “وقف قصف مدينة حلب بالبراميل المتفجرة” التي تمطر بها مروحيات وطائرات النظام أكبر المدن السورية دون أي رادع أخلاقي أو إنساني، في سابقة هي الأخطر في الحروب الدائرة في المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سيما وأن هذه الاسلحة تعتبر من الاسلحة المحرمة دولياً.
مصادر اللائتلاف المعارض “تخشى نتيجة المتغيرات تلك، ان تتحول اولوية مؤتمر (جنيف 2) من تغيير النظام الى تعويمه، مقابل تراجع روسيا عن ترشيح بشار الاسد لولاية حكم جديدة في حزيران المقبل”، ورأت ان “الاولوية الان لدى الغرب لم يعد حضور إيران او عدمه أنما لمحاربة الارهاب” و نقلت عن ديبلوماسي غربي في مجلس الأمن قوله، إن “محاربة المتطرفين في سوريا بعد التوصل إلى اتفاق سياسي هي واحدة من العناوين التي تناقش على مستوى رفيع حالياً” خصوصاً لجهة “من سيتمكن من دحر المتطرفين لتوطيد الحل السياسي في حال التوصل إليه”. وأضاف خلال لقاء ضيّق في الأمم المتحدة: “يجب أن يتولى أحد ما محاربة المتشددين في سوريا رغم أن التوصل إلى اتفاق في جنيف سيقلّص دورهم السياسي ولكن حضورهم الميداني سيبقى مشكلة أساسية ينبغي التعامل معها”.
فوزي أبوذياب

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟