تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

فوزي أبوذياب

طغت صدمة سقوط تسعة من جنود الجيش التونسي في مكمن نصبته لهم جماعة مسلحة في منطقة جبل الشعانبي المحاذي للجزائر، على الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد عقب اغتيال النائب المعارض للإسلاميين محمد البراهمي. لكن مقتل الجنود، وبينهم ثلاثة على الأقل يحملون إشارات  تعرضهم للذبح، بدا في المقابل سبباً لكي تبدي الأطراف السياسية المتنازعة تنازلات لإنهاء الأزمة، تلبية لدعوة رئيس البلاد السيد المرزوقي. حيث سارعت حركة النهضة الحاكمة، إلى إعلان قبولها درس تشكيل “حكومة انقاذ وطني”، وذلك بعد ساعات فقط من رفض رئيس الحكومة علي العريض، القيادي في حزب النهضة، مطالب المعارضة بتغيير حكومته وحل المجلس التأسيسي، والتي طالبت بها إثر اغتيال النائب المعارض محمد البراهيمي.

وأعادت العملية في جبل الشعانبي قضية الإرهاب مجدداً إلى واجهة الأحداث في البلاد، بخاصة وأنه جاء بعد إعلان قائد أركان الجيوش المستقيل الجنرال رشيد عمار انتهاء العمليات العسكرية في الجبل، ما أثار استغراب المتابعين، حيث أن العملية  التي راح ضحيتها تسعة من قوات الكوماندوس جرت في مكان من المفروض أنه خالٍ من المسلحين بحسب التقارير العسكرية التي تصدرها وزارة الدفاع الوطني، كما وأن الأجهزة الأمنية والعسكرية لم تحدد الى الآن الجهة التي قدم منها المهاجمون، سواء كانت من داخل تونس أو من دول الجوار.

العملية الإرهابية تلك، كان لها تأثير مباشر على الأزمة السياسية التي تعيشها تونس منذ أن هز اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي الاستقرار في البلاد، وفاجأ التوانسة، حيث كانت الأمور تسير باتجاه التوافق، وفق ما أوضحت الناشطة الحقوقية والاستاذة الجامعية “حفيظة شقير” في اتصال هاتفي مع “موقع الأنباء الالكتروني”، حيث رأت “أن جريمة اغتيال البراهيمي تتخطى المسألة الداخلية، وترتبط بها عناصر خارجية، بهدف خربطة الوضع الداخلي الذي كان يتجه نحو الحلحلة بعد أزمة اغتيال المعارض شكري بلعيد.”

وقالت شقير، “الأمور تتجه نحو مزيد من التعقيد، فالمعارضة تطالب باسقاط الحكومة وبحل المجلس التأسيسي، وهذا ما لا يقبله (حزب النهضة)، خاصة وأن الجميع توصلوا الى توافقات على القضايا المتعلقة بالدستور، وجرت انتخابات لتشكيل الهيئة العليا المستقلة للاشراف على الانتخابات، وكانوا بصدد اجراء انتخاب رئيس للهيئة، لذلك شكلت عملية اغتيال البراهيمي صدمة ومفاجئة للجميع”.

ورأت أن “التغيرات التي تمر بها الثورة المصرية لها تأثير كبير على تونس، وأن ثمة قوى خارجية وراء عملية اغتيال البراهيمي المعارض للإسلاميين، بهدف دفع الامور نحو مسار آخر”، وأبدت شقير قلقها من “أن تنفلت الأمور وتخرج عن السيطرة، سيما وأن التحقيقات التي كشفها وزير الداخلية عن تورط جماعة سلفية باغتيال البراهيمي وقبله بلعيد ليست كافية وتفتقد إلى العديد من المعطيات الدقيقة”.

أما الناطق باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي (تحالف اليسار والقوميين) فقال “للأنباء” إن المطلوب قيام “حكومة انقاذ وطني وليس حكومة وحدة وطنية”، موضحاً: “لقد اجتمعت الأحزاب المكونة لتحالف الاتحاد من أجل تونس وأحزاب الجبهة الشعبية واتفقت على أنه لن يتم التراجع على مطلب حل المجلس التأسيسي”.

مصادر تونسية متابعة رأت أن حزب النهضة الحاكم قد يقبل بتشكيل حكومة جديدة من دون حل المجلس التأسيسي، بعد أن دعا الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) في إجتماعه إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني ترأسها شخصية مستقلة توافقية مع الحفاظ على المجلس التأسيسي الذي عليه أن يُنهي صوغ الدستور والقوانين الانتخابية في أجل أقصاه 23 تشرين الأول المقبل. وتعيد المصادر هذا التغيير المحتمل في موقف “النهضة”، بعد تصريح وزير الداخلية لطفي بن جدو الذي عبّر عن مساندته مطلب تشكيل حكومة انقاذ وطني، وهو الموقف ذاته الذي تبناه حزب “التكتل الديمقراطي” المشارك في الحكم والذي طالب بدوره بحكومة جديدة مهدداً بالانسحاب من “الترويكا” الحاكمة في حال عدم استجابة مطلبه.

وترى المصادر أن حتمال قبول حزب النهضة تشكيل حكومة وحدة وطنية (أو حكومة تكنوقراط)، يعود إلى اتساع دائرة القوى التي تتخذ موقفاً وسطاً من الأزمة وترى ضرورة تشكيل حكومة جديدة مع الإبقاء على المجلس التأسيسي باعتبار أن حل المجلس سيؤدي إلى فراغ في الحكم، كونه مؤسسة جاءت نتيجة اقتراع شعبي.

وكان رئيس الوزراء التونسي علي العريض قد اقترح اجراء الانتخابات التشريعية في كانون الأول المقبل، وقال إن الحكومة الانتقالية التي يقودها الإسلاميون ستواصل العمل برغم تزايد الضغوط لحلها.

واتهم العريض المعارضة العلمانية التي اطلقت احتجاجات واسعة ضد حركة النهضة الإسلامية الحاكمة بانهم “انقلابيون”. وقال العريض في كلمة بثها التلفزيون إن الحكومة لا تتشبث بالسلطة لكنها ستواصل القيام بمهامها ولن تتخلى عنها وستواصل الاضطلاع بمسؤولياتها حتى اللحظة الأخيرة.

المصادر التونسية التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، رأت أن “الوضع الداخلي ينحوا الى مزيد من التعقيد، سيما وأن الاتقسام الحاد بين الإسلاميين ومعارضيهم في مصر، ينسحب على واقع الامر في تونس، فالإسلاميون يسيطرون على كل شيء بعد الانتخابات الاخيرة، وزعماء المعارضة في تونس يحاولون التودد للاتحاد العام للشغل حتى يدعم دعوتهم لحل الحكومة والمجلس التأسيسي الانتقالي المكلف بوضع مسودة للدستور، فيما التاحاد لا يوافق على حل المجلس التأسيسي خشية من الفوضى، والمعارضة العلمانية، عززت موقفها بعد أن عزل الجيش المصري الرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي، وباتت عينها على الأحداث في مصر، فيما الجيش التونسي يواجه الإرهاب الإسلامي على الحدود الجزائرية”.

ويخشى التونسيون العودة إلى الفوضى السياسية بعد عامين فقط من إجبار الرئيس السابق بن علي على الفرار خلال الانتفاضة التي أطلقت شرارة انتفاضات الربيع العربي في الشرق الأوسط والتي لا تزال مشتعلة.

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟