لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

فوزي أبوذياب

السجال التصعيدي الذي عاشته البلاد، بين أمين عام حزب الله حسن نصر الله، وزعيم تيار المستقبل النائب سعد الحريري، وضع لبنان أمام أفق سياسي مقفل، لا بل ربط وبشكل لا لبس فيه، الأزمة الداخلية المتمثلة بالفراغ الحكومي وعجز القوى السياسية عن تشكيل بديل لها، بأزمات المنطقة الإقليمية – الدولية، لا سيما الحرب المشتعلة في سوريا والتي ينخرط فيها حزب الله، من جهة، والصراع السياسي المتجدد بين الرياض وطهران، على خلفية التقارب الأميركي – الإيراني بعد انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية الاسلامية جهة أخرى.
فالظهور المباشر للسيد نصر الله امام جمهوره في عاشوراء، والمواقف العالية النبرة التي أطلقها تجاه دول الخليج العربي وتهديدها بإشعال المنطقة فيما لو فشلت التسوية الغربية مع إيران، ما هو الا تكرار لمواقف مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، فيما الحضور الملفت للنائب سعد الحريري الى جانب خادم الحرمين الشريفين في لقاء القمة السعودية – اللبنانية، التي جمعت الملك عبد الله بن عبد العزيز بالرئيس ميشال سليمان، أكدت عمق ارتباط مواقف الحريري بالتوجهات السعودية.
فأن يقول الحريري، “لن نشارك مع حزب الله في حكومة واحدة، قبل انسحاب مقاتليه من سوريا”، ويرد عليه نصر الله بالقول، “لن نقايض وجود مقاتلينا في سوريا ببضعة حقائب في حكومة لبنانية لا تسمن ولا تغني عن جوع”، معتبراً ذلك شرطاً تعجيزياً، هذا السجال الداخلي المرتبط بتشكيل الحكومة الجديدة، مؤشر واضح على أن الأزمة السياسية الداخلية باتت مرتبطة كلياً بالأزمة السورية، فلا حكومة جديدة قبل وضع الأزمة السورية على سكة الحل، والتي قد يشكل مؤتمر (جنيف 2) حين يعقد إحدى خطوطها، وأن عناصر الحل والربط في السياسة الداخلية باتت مرتبطة بالأجندات الإقليمية.
وأن يقول السيد نصرالله: “إن حصل (الاتفاق) النووي الإيراني – الدولي، فريقنا سيكون أقوى وأفضل وضعاً وحالاً محلياً وإقليمياً” موضحا ذلك بأن حلفائه (سوريا وإيران) لا يتخليان عنه، وقال:”هل في يوم من الأيام خذلنا حليفنا أو طعننا في الظهر؟ أو تآمر علينا؟ أبداً، إبدأوا من تموز 93 – نيسان 96 – 2000- تموز 2006 وإلى اليوم لا توجد سابقة ولم يحصل ذلك، في أصعب الظروف لم يحصل، لكن نحن واثقون من هذه العلاقة ومن هذا التحالف”، كلام نصر الله هذا هو رهان على متغير إقليمي (إتفاق دولي مع إيران حول الملف النووي، مقابل خفض العقوبات المالية والاقتصادية عليها)، قد يحصل هذا الاتفاق، لكن المؤشرات والمعلومات المتوافرة لا تتوافق ومتطلبات القوة التي يراها أمين عام حزب الله، لأن الاتفاق بين إيران والدول الست (5+1)، مرتبط بالملف النووي الايراني وعقوباته، وليس بتسوية أوضاع المنطقة، وتعيين إيران ولي شرعي عليها، كما تحاول إيران أن تبين، لا بل فإن وزير الخارجية الإيراني حاول مقايضة فرنسا بسحب المقاتلين الأجانب من سوريا (الحرس الثوري الايراني ومقاتلي حزب الله وميليشيات شيعية عراقية) مقابل تأييد فرنسا للإتفاق الدولي مع إيران.
محصلة السجال الخطابي المتوتر بين نصر الله والحريري، تبين أن الطرفين يستخدمان قوتهما ونفوذهما في لبنان لمصالح خارجية إقليمية، ويتباريان بها على طاولة تسويات دولية هما غير متواجدان عليها، لا بل يراهنان على انتصار هذا الفريق أو ذاك، فيما يدفع لبنان ثمن هذه الصراعات من إقتصاده وأمنه الوطني وعيشه المشترك الهش، وفراغ دستوري قارب ان يصبح رئاسياّ، ما يضع الدولة اللبنانية ومؤسساتها أمام أزمة سياسية وطنية مفتوحة، لا تنتهي إلاَّ بتسوية إقليمية لا تبدو ممكنة في المدى المنظور.
مصادر سياسية مطلعة فضلت عدم الكشف عن اسمها، عبرت للأنباء عن يأسها مما وصل اليه مستوى السجال السياسي بين قيادات الصف الأول، والرهانات التي تستند اليها مواقف كلا الطرفين، وكشفت المصادر “أن التسوية الدولية مع إيران، لن تغير كثيرا في موازين القوى الإقليمية، فإيران أمام أزمة إقتصادية فرضتها العقوبات الدولية عليها، وليست في موقع القوة الذي يعتقده البعض، وبالتالي فهي أي إيران مضطرة لتقديم تنازلات مقابل رفع تلك العقوبات، والمسألة لا تزال معقدة بعض الشيء”.
وعن (جنيف 2) وانعكاس التسوية الايرانية على الأزمة السورية، قالت المصادر، “إيران تقاتل في سوريا عبر حزب الله والميليشيات العراقية والحرس الثوري الايراني، ويقولون ان النظام كاد يسقط لو لم يتدخلوا لانقاذه، وبالتالي فإن النظام السوري بات ورقة بيد ايران، وبالمقابل فإن المعارضة بتنوع اطيافها وبفعل غياب الدعم الدولي باتت مشتتة ورهن أجندات الجهات التي تمولها، الا أن الفريق الأقوى في هذه المعارضة أي “الائتلاف” و”الجيش الحر” الذي يحظى بدعم عربي ودولي وتمويل سعودي وقطري، وهذا الدعم له موقعه الاقليمي الذي لن يسمح بإضعاف حليفه أو التخلي عنه سيما وأن الجيش الحر يسيطر على مساحة كبرى من سوريا ويستحيل على النظام استعادتها، وبالتالي فإن ما يجري على الأرض في القلمون وأطراف حلب وحمص، لا يعدُ كونه محاولة لرسم خطوط تماس جغرافية وعسكرية بين مقاتلي المعارضة من جهة ومقاتلي النظام من جهة أخرى، وهذه الخطوط تشكل حدوداً وهمية لمناطق آمنة، تسيّر أمورها حكومة مؤقتة، مدعومة من الجهات الاقليمية المتصارعة (إيران ودول الخليج العربي) الى حين انضاج تسوية سياسية ترضي الجميع”، و(جنيف 2) برأي المصادر لن يكون سوى حلقة اولى من حلقات الاستنزاف الطويل الامد، ما لم تدخل المنطقة بأسرها في أتون (عرقنة) ترتسم معها خطوط تماس جغرافية تستنزف الجميع”.
المصادر استطردت قائلة: “المنطقة بأسرها تعيش مرحلة مخاض انتقالية صعبة، في ظل ازمة اقتصادية عالمية وتبدل في موازين القوى وفي القراءات الاستراتيجية للسياسات المستقبلية للدول الكبرى، وبالتالي فاننا نشهد مرحلة صعود وهبوط وفوضى عارمة تستشري معها عمليات العنف والقتل والترهيب، في الوقت الذي اتفقت واشنطن وموسكو على ادارة خلافاتهما بما في ذلك إدارة الملف السوري”.
فوزي أبوذياب

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟