لبنان أمام أزمة مفتوحة

فوزي أبوذياب

دخل لبنان مرحلة جديدة من مراحل التصعيد السياسي التي قد تضعه أمام منعطف خطير، تدخله في أتون الصراع الدموي المشتعل في سوريا والذي بدأت تداعياته تنعكس على دول المنطقة، بعد أن اتخذ حزب الله عبر إطلالات الأمين العام حسن نصرالله الأخيرة والتي أعلن فيها انغماس الحزب ومقاتليه في الصراع الدائر في سوريا، من جهة، دفاعا عن المقدسات واستباقاً لحرب إلغاء يعتقد أنها تشن ضد حزبه، ومن جهة أخرى لدعم المقاومة الشعبية لتحرير الجولان، بعد أن قرر النظام السوري فتح هذه الجبهة التي أقفلها على مدى أربعين عاما، كرد “استراتيجي على الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على مواقع سورية في دمشق” وفق ما أعلن نصرالله.

عمليات التصعيد تلك ليست وليدة الصدفة إنما بدأ التحضير لها منذ أن قدم الرئيس نجيب ميقاتي استقالة حكومته، حيث دفع إليها مرغماً بفعل سياسة التعنت والضغط التي مارسها ضده وزراء “التكتل العوني”، وبرزت أولى مؤشرات إتجاهات التصعيد تلك، إبان اللقاء الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد بممثلي أحزاب وشخصيات فريق 8 آذار، والذي  انتقد فيه الأسد حياد لبنان وسياسة النأي بالنفس ودعا الى فتح الجبهة اللبنانية لتتكامل والجبهة السورية، ضد ما أسماه المشاريع العربية لضرب “المقاومة والممانعة”، إضافة إلى ما سرب عن هذا الاجتماع من مخططات وسيناريوهات تشير إلى أن لبنان قبل حكومة ميقاتي ليس كلبنان بعد استقالة الحكومة.

إضافة إلى توجيهات الأسد لفريق 8 آذار، بدا واضحاً أن إيران قد اتخذت جملة خطوات ومقررات استباقية استدعت زيارة أمين عام حزب الله إلى طهران ولقائه المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، “علي خامنئي” الذي طلب منه تدخل الحزب عسكريا بكل ثقله في سورية “مهما كلف الامر”، حيث أعلنت إيران وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها أن إسقاط النظام في سوريا “خط أحمر”.

مصادر سياسية خبيرة بشؤون حزب الله وآليات عمله التنظيمية، كشفت لـ “الأنباء” أن تكليفاً شرعياً صدر عن “المرشد الأعلى السيد خامنئي، بتدخل حزب الله في المعارك السورية والحؤول دون سقوط هذه الجبهة، وقطع طريق الإمداد على المقاتلين المعارضين للنظام”، وأشار المصدر ذاته الى أنه منذ اللحظة التي صدر فيها التكليف الشرعي، “أرسل حزب الله أعدادا كبيرة من عناصره المدربين تدريبا جيدا إلى الأراضي السورية ونجح في تطويق مدينة القصير القريبة من حمص، قاطعا الطريق على وصول الامدادات العسكرية الى الثوار فيها”، إضافة إلى مساعدة “قوات النظام التابعة للرئيس الاسد في تحسين أوضاعها في منطقة ريف دمشق”، كما انتقل عدد من مقاتلي الحزب إلى منطقة قريبة من مدينة حلب الشمالية لخوض المعارك إلى جانب القوات الموالية للأسد.

هذا إضافة إلى انتشار مجموعات مقاتلة من حزب الله في مناطق الجولان، بعد أن أعلن نصرالله عن دعم خيار الأسد فتح جبهة الجولان أمام المقاومة الشعبية، وهذه الخطوة جاءت أيضاً بعد المشاورات التي أجراها وزير الخارجية الإيراني “علي أكبر صالحي” إلى سوريا، ولقائه بشار الأسد في اليوم التالي للغارة الإسرائيلية والذي أعلن إثره النظام السوري فتح جبهة الجولان أمام المقاومة الشعبية والفصائل الفلسطينية، ضد الإحتلال الإسرائيلي.

إضافة إلى ذلك، فإن إعلان السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة موافقة سوريا تسليم حزب الله أسلحة متطورة “كاسرة للتوازن”، والتي سبق أن اختبر حزب الله إمكانية استخدامها خلال العدوان الإسرائيلي عام 2006، حين نجح الحزب في ضرب البارجة العسكرية الإسرائيلية “ساعر” على الشواطئ اللبنانية، ما يعني وضع لبنان في مواجهة مباشرة ليس مع الشعب السوري الثائر ضد نظام القتل والظلم والتدمير والتنكيل، إنما في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل التي لا ينفك قادتها العسكريون عن إطلاق تهديداتهم للبنان إذا ما حصل حزب الله على أسلحة نوعية، وقد سبق أن شنت تحت هذا الشعار عدة غارات جوية على مواقع سورية قالت إنها “قوافل تحمل صواريخ نوعية من سوريا إلى حزب الله” والتي كان آخرها  مطلع أيار الجاري.

خيارات التصعيد الإقليمية تلك، والتي يلتزم بها حزب الله وحلفاؤه في فريق 8 آذار، بدأت تأخذ ترجمتها السياسية في تعطيل تشكيل حكومة الرئيس المكلف تمام سلام والذي حصل في تكليفه على إجماع وطني قل نظيره منذ حكومات ما بعد الطائف، حيث بدأت توضع العراقيل المتتالية في وجهها تارة برفض حكومة من غير السياسيين، وتارة أخرى بفرض شعار “الشعب والجيش والمقاومة”، كبند أساسي في البيان الوزاري، وتارة ثالثة، على شكل الحكومة وحجمها، وآخر اعتراضات هذا الفريق كان على توزيع الحصص بين القوى الأساسية الثلاث “8 و 14 آذار والوسط” وفق القاعدة الحسابية تمانية حقائب لكل فريق أي (8+8+8)، تحت حجة الأحجام والأوزان بهدف معلن، هو الحصول على مقعد إضافي كاسر للتوازن وللمثالثة (الثلث المعطل)، والذي أسقط حكومة الرئيس سعد الحريري في كانون الأول من عام 2010، والذي حصلت عليه المعارضة السابقة في اتفاق الدوحة بعد أحداث السابع من أيار 2008.

لقد استخدم فريق 8 آذار كافة وسائله الإعلامية لتعطيل إمكانية تشكيل حكومة متوازنة وأسهم الرئيس نبيه بري في الحملة السياسية التي شنت على الرئيس المكلف وفريق الوسطيين ورئيس الجمهورية بهدف الحصول على مقعد الثلث المعطل، ولفرض هذا الخيار لجأت قوى 8 آذار الى التهويل بعرض مشروع القانون الأرثوذوكسي على التصويت، في الجلسة النيابية التي كان من المزمع عقدها في 15 أيار الجاري، والتي نجحت اتصالات جبهة النضال الوطني مع تيار المستقبل وكتلة القوات اللبنانية ومستقلي 14 آذار من محاصرتها واستيعابها عبر موافقتها على مشروع قانون جديد للإنتخابات النيابية على قاعدة المختلط بين النسبي والأكثري، ما استدعى إحياء لجنة التواصل النيابية من سبات رتابتها في خطوة استيعابية لن تكون خارج إطار السياق التعطيلي العام الذي يريد فريق 8 آذار فرضه على البلاد والعباد، حيث بات المجلس النيابي بحكم المعطل ومنتهي الصلاحية، فالتأجيل التقني لن يقبله رئيس الجمهورية ما لم يكن محدداً زمنياً ومرتبط بقانون جديد للإنتخابات، على اعتبار أن قانون الستين الساري المفعول مرفوض من معظم القوى، و”محرم” من بكركي.

من خلال هذه المعطيات رجحت مصادر سياسية متابعة، دخول لبنان مطلع الأسبوع القادم “أزمة مفتوحة”، لا تخلو من “مواقف تصعيدية متشنجة”، و”توترات أمنية ميدانية متفرقة” تواكب التطورات الميدانية للمعارك المستعرة في سوريا، بهدف “فرض أمر واقع سياسي وأمني يبقي لبنان في حال من “الفوضى المنضبطة”، “قابل للإشتعال”، يحول دون قدرة الرئيس المكلف تشكيل حكومة جديدة يريدها فاعلة وجامعة تخدم المصلحة الوطنية وتلتزم سياسة النأي بالنفس، وتتخذ من إعلان بعبدا بياناً وزارياً لها.

وترى المصادر أنه بعد فشل حزب الله وحلفائه تمرير المشروع الأرثوذوكسي، وفشلهم في فرض تشكيلة حكومية يمسكون بمفاصلها وتوازناتها، فإنهم سيلجأون إلى خياراتهم البديلة بتعطيل البلاد والمؤسسات، على غرار سيناريو 2007، إبان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وإبقاء البلاد معلقة قيد التعطيل والفراغ، وعلى وقع الملفات الخلافية المتحركة، إلى حين اتضاح نتائج لقاء القمة الأميركي الروسي (اوباما – بوتين) في حزيران المقبل، وما ستؤول إليه مداولات المؤتمر الدولي حول سوريا، أو ما سمي بجنيف 2، كما سيبقى لبنان معلقاً أيضاً رهن الملفات الإقليمية لا سيما الإيرانية منها، حيث تواجه إيران في الداخل أزمة سياسية على مشارف إنتخابات رئاسية وتشريعية يترقب نتائجها العالم، حيث يحاول المرشد الأعلى للجمهورية فرض مرشحه “أمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليل”، الذي يوليه الخامنئي مهمة التفاوض مع الدول الغربية ومجموعة (5+1) حول الملف النووي، مستفيدا من المواجهة التي يخوضها في سوريا ولبنان والعراق، مقابل ترشيح “رئيس مصلحة تشخيص الدستور” هاشمي رفسنجاني، المقرب من المعارضة والذي أعلن رغبته في الحوار مع الغرب لا سيما واشنطن، ولديه وجهة نظر مغايرة لمواقف المرشد الأعلى من الأزمة السورية، ومن دور ومهام حزب الله، بحيث يخشى الخامنئي عودة الإضطرابات التي عمت طهران بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009، ما يضعف موقعه ويفقد طهران دورها الاستراتيجي في المنطقة.

وأبدت المصادر قلقها من أن يتحول لبنان في ظل هذه المعطيات الى دولة فاشلة، تنضم الى الساحتين السورية والعراقية المشتعلتين على خلفيات مذهبية، ما يضع لبنان ضمن دائرة الفرز الديموغرافي، بالتوازي مع عملية التهجير المذهبي المنظم في سوريا والعراق، تمهيدا لتفكيك المنطقة على أسس مذهبية وأقاليم متناحرة خدمة لمصالح الدول الإقليمية الإيرانية – الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟