هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

فوزي أبوذياب

تصدرت الأحداث المصرية قائمة الاهتمامات والمتابعات الدولية، وتقدمت أخبار ثورة 30 حزيران والتظاهرات المليونية في “ميدان التحرير” و”قصر الاتحادية”، و”رابعة العدوية” عناوين الصحف ومقدمات الأخبار المحلية والعالمية، وبات الحديث عن أفول نجم الإسلام السياسي ونهاية حكم الأخوان، يشغل مراكز الأبحاث والدراسات، ما أدخل الثورة السورية ومسارات التغيير في بلاد الشام، في التباس وضبابية لدى بعض الباحثين، وتاهت أقلام بعض الكتبة التي أعطت تصريح الرئيس السوري “عن انعكاس التغيير الجديد في مصر أبعاداً إيجابية لمصلحة النظام”، أكثر مما يحتمل، فتمنيات الأسد لا تتوافق وواقع الأمور الميدانية من جهة، ولا مع الأبعاد الاستراتيجية للثورة الثانية في مصر (ثورة 30 يونيو) من جهة أخرى.

 لقد سقطت شرعية بشار الأسد ومعه شرعية نظام حزب البعث، منذ أن وجهت فوهات البنادق على صدور المسالمين من الأطفال والنساء في ساحات درعا قبل عاميين، وسقط شرعية حكم الأسد، حين دكت راجمات الصواريخ وقذائف المدافع والدبابات منازل الآمنين في باب عمر وأحياء حمص قبل أن تمطر طائرات النظام السوري، داريا وأحياء دمشق في دوما اليرموك ببراميل المتفجرات، وسقط نظام الأسد قبل أن تنطلق صواريخ السكود الروسية الصنع لتمحو أحياء كاملة في حلب ودير الزور والرقة عن الوجود، وبالتالي فإن مستوى الإجرام الذي عمل النظام السوري على تحقيقه، لا يمكن أن تشفع به أو تحمي وجوده، أي من القراءات السياسية الحديثة للحراك العربية، بما فيها حركة تمرد التي أطاحت حكم الرئيس المصري محمد مرسي، وأعادت للثورة المصرية وهجها الشعبي بعد محاولة الأخوان مصادرتها. كما لا يمكن لما تبقى من جيش نظامي تلطخت أيديه وأيدي قياداته بدماء الأبرياء السوريين، ودمرت طائراته ومدافعه، مدن سوريا وبنيتها التحتيه، وتراثها والحضاري والإنساني بكل ما أوتي من قوة بطش وإجرام، أن تمنح شرعية البقاء لطاغية لم يشهد التاريخ الحديث على إجرام مثيل له، وبالتالي لا يمكن لأي قوة خارجية، حملت وتحمل شعارات “الممانعة” و”المقاومة”، أن تحمي ولا أن تمنح الحياة لمثل هذا النوع من الأنظمة، مهما ابتدعت من مبررات، أو روجت لشعارات ترتاح لها الآذان الغربية، كمحاربة الإرهاب والتكفيريين وخلايا القاعدة…..، لقد أثبتت التجارب التاريخية أن مصير الأنظمة السياسية والأمنية مرتبط بالشرعية الشعبية، وباحتضان المجتمع الأهلي لها، وحين تسقط هذه الشرعية أو ترفع تلك الحصانة أو الحضانة، تنكشف تلك الأنظمة وتسقط في غياهب التاريخ مهما امتلكت من قوة بطش أو سلطة مال. فالسلطة الحقيقية هي سلطة الشعب والقوة هي قوة الشعب، وما يجري يوميا في سوريا، من معارك ومجازر وحراك ثوري معارض يؤكد هذه الحقائق.

مصادر امنية مقربة من المعارضة كشفت للأنباء، أن النظام وبعد معركة القصير حاول وبكل قوة، السيطرة على حمص وبعض أحياء دمشق، وصل الخط الاستراتيجي بين العاصمة السورية والمدن الثلاث في شمال سوريا ثم ضمان الاتصال مع منطقة الساحل، أي المنطقة ذات الأكثرية العلوية. مستفيداً من غزارة النيران والدفع المعنوي الذي كسبه قي القصير، والدعم العسكري الذي يمده به حزب الله، محاولاً السيطرة على أحياء من دمشق، كما شن عدة هجمات واسعة النطاق على أحياء أساسية في حمص، كحي الخالدية، كما حشد النظام ثلاثة كتائب مدرعة وآلافاً من مقاتلي حزب الله وغيره من الأجانب في محاولة للسيطرة على المدينة، بعد حصار طال أسابيع عدة، واكب تلك التحضيرات والهجمات الميدانية حملة إعلامية تضليلية واسعة أوهمت العالم أن النظام السوري استعاد إمساكه بزمام المبادرة، وفي الوقت الذي كانت تعاني فيه المعارضة من نقص في الإمداد ومن ضبابية في الموقف الدولي من قضية التسليح، وفي الوقت الذي كانت تنتقل آليات متابعة الملف السوري من القيادة القطرية إلى غرفة العمليات السعودية، وما سبقها من خلافات على رئاسة الائتلاف والحكومة المؤقتة. إلاَّ أن أي تقدم لم يحصل على الأرض لمصلحة النظام حلفائه، لا بل فإن تململاً إيرانيا برز في هذا الاتجاه تناقلته أوساط إيرانية متابعة، كما سرت همساته في أروقة حزب الله السياسية، وكثر الحديث عن أن النتائج على الأرض لا توازي حجم الدعم والمادي والمعنوي والعسكري المحتشد لهذه المعارك ولا توازي جزءاً صغيراً من قيمة أو حجم أطنان الذخائر والمتفجرات التي استخدمت.

ورأت المصادر إن محاولات تقدم النظام التي بلغت أوجها في الأيام الماضية، لم تحرز أي تقدم وإن وصول الإمداد العسكري للجيش الحر بدأ يعدل ميزان القوى على الأرض، وبدأت نتائجه تتحقق في خان العسل وحلب ودرعا وأحياء دمشق، وحمص. وإن الأيام المقبلة ستشهد تطوراً ملحوظاً في حسم بعض المعارك في مناطق الشمال والوسط والجنوب، ستمكن الائتلاف المعارض تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة المناطق المحررة، وهذا ما بحثه وفد الائتلاف في جولته الأخيرة التي بدأها من الرياض بلقاء مولي العهد السعودي، ولقاء آخر مع وزير الخارجية المصري الجديد، وسيليه لقاء موسع في الأمم المتحدة ومع أعضاء من مجلس الأمن الدولي، وفي مراكز القرار الأميركي.

وعلى عكس ما توقعه الأسد لناحية التحولات الجارية في مصر وانعكاساتها على سوريا، رأت المصادر أن استعادة المصريين لثورتهم، يشكل دفعاً جديداً لمجريات الثورة السورية، حيث تراجع القلق لدولي من سيطرة القوى الإسلامية المتشددة، بعد سقوط نظام حكم الأخوان في مصر وانتقال السلطة في قطر، ما يسقط الذرائع الدولية ويكشف زيف شعارات النظام وحلفائه.

وفي هذا السياق ألمحت المصادر إلى أن جماعة الأخوان في مصر، أخطأت في إدارة أمورها وأمور الدولة بعد الإنتخابات الرئاسية التي أوصلت مرشحهم محمد مرسي الى الرئاسة الأولى وسيطرتهم على مجلس الشورى، وهذه الأخطاء تمثلت في إدارة الظهر على دول الخليج العربي، وتبني فكرة اللجنة الرباعية التي أطلقتها إيران لحل الأزمة السورية، لا بل ذهب مرسي إلى عقد صفقة تجارية مع إيران في قضايا مرتبطة بالسياحة، وتأخر في اعلان موقف واضح من الأزمة السورية، ما أوقعه في أزمة مضاعفة مع المملكة العربية السعودية ودول الغرب، التي أيدت وصوله الى السلطة، ما يعني ان سقوط مرسي وعلى عكس ما آل إليه رأي بشار الأسد يصب في خانة المعارضة السورية وخانة الحراك العربي الجديد، وستكون له نتائج إيجابية في المديين المتوسط والقريب لصالح الثورة السورية ودول المنطقة في تونس وليبيا.

وكشفت المصادر أن قرار تسليح المعارضة السورية، وقرار تعديل التوازن الاستراتيجي على الأرض في مصر وسوريا والعراق ولبنان، هو قرار إقليمي عربي يسبق أي لقاءات أو تسويات دولية وقبل أي حوار غربي مع إيران، لذلك فإن المنطقة ستشهد في الأشهر القادمة تحولات نوعية، على أكثر من صعيد.

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟