جنيف 2 – التسوية المفقودة !

فوزي أبوذياب

انطلق العد العكسي لانعقاد مؤتمر (جنيف 2) لحل الازمة السورية، مع توجيه الامين العام للأمم المتحدة بان كي-مون الدعوة للدول المشاركة في هذا المؤتمر المزمع عقده في 22 كانون الثاني الجاري في إحدى المدن السويسرية، وحيث من المتوقع ان يضع وزيرا خارجية أميركا وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف لمساتهما الاخيرة على التحضيرات الجارية، والاتفاق على توجيه الدعوة لإيران لحضور المؤتمر من عدمه، حيث لا يزال التباين بهذا الشأن قائماً بينهما، فروسيا ترى وجوب مشاركة إيران، فيما ترى واشنطن دوراً ما قد تلعبه إيران في حل المسألة السورية، إلاَّ أنها تشترط موافقة طهران على مقررات مؤتمر (جنيف 1)، الذي اختلفت الدول الكبرى على تفسير مقرراته.

المعارضة السورية انقسمت بين مؤيد للمشاركة في المؤتمر دون شروط كما هو حال هيئة التنسيق، وغيرها من الجماعات المعروفة بمعارضة الداخل وهي مقبولة من النظام وعلى علاقة مع روسيا، ومؤيد للمشاركة بشروط كما هو حال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي أرجأ إعلان قراره النهائي في المشاركة في المؤتمر الى 17 كانون الثاني الجاري، حيث ينتظر بعض الضمانات من القوى الدولية وفق ما أشارت مصادر مقربة منه، ويشكل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة اكبر إطار سياسي وعسكري جامع للمعارضة السورية وله تأثير واسع على عدد كبير من الفصائل المقاتلة المسيطرة على مساحة كبرى من الاراضي المحررة، ومن شروطه اِلتزام المؤتمر بتنفيذ مقررات (جنيف 1) التي نص عليها القرار الدولي 2118 والذي تضمن تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحية دون أي دور لبشار الاسد فيها. إضافة إلى شروط ميدانية أخرى كتأمين ممرات إنسانية لإدخال المعونات الغذائية إلى المناطق المحاصرة، ووقف استخدام القصف الجوي والبراميل المتفجرة على حلب وغيرها من المناطق، والتي أوقعت آلاف القتلى من المدنيين في خلال الاسبوع الفائت، وقريق ثالث رافض لأي تسوية مع النظام، في مقدمته المجلس الوطني السوري ثاني اكبر تجمع معارض، وأحد الكتل المشكلة للإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، وغالبيته من الاخوان المسلمين، وهو ايضاً من القوى المؤثرة في الداخل السوري لا سيما على بعض الجماعات الاسلامية المقاتلة.

في خضم المرحلة الأخيرة من التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر (جنيف 2) وقبيل تحديد الموعد الاخير للمؤتمر في 22 كانون الثاني الجاري، حاولت روسيا تمرير ورقة عمل تضمنت عدداً من النقاط لإطار المؤتمر وآلياته، ركّزت على عنوانين اثنين أساسيين، أولهما شكل طاولة الحوار، وفيها بندان اثنان، هما:

ــ يعقد المؤتمر برئاسة الأمم المتحدة ورعاية كل من الولايات المتحدة وروسيا.

ــ يحضر المؤتمر بالإضافة إلى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، الأمناء العامون للاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الاسلامي والمبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي والدول الإقليمية: مصر، الأردن، لبنان، العراق، تركيا، إيران والسعودية.

العنوان الثاني في ورقة المفاهيم الروسية يتضمن بنوداً عن شكل التمثيل السوري الرسمي والمعارض في المؤتمر، وأيضاً عن الأفكار الرئيسة لبيانه الختامي. وجاء في ذلك:

ــ تتمثل الأطراف السورية بالحكومة من جهة، والمجموعات المعارضة المؤيدة للحل السياسي للأزمة من جهة أخرى.

ــ يصدر بيان مشترك عن المؤتمر يلتزم الآتي:

1ــ الحل السياسي في سوريا وحقن الدماء، ويدعو الدول التي تسلح الإرهاب إلى التوقف عن ذلك.

2ــ اطلاق مسار تفاوضي توصلاً إلى تشكيل حكومة انتقالية متفق عليها دون التطرق إلى صلاحياتها في هذه المرحلة.

3ــ تنبثق مجموعات عمل فرعية من المؤتمر تعنى بتسهيل الاستقرار السياسي والأمني، وتسهيل الحوار الشامل بين كافة الأطياف السورية وتطوير المجتمع المدني، وتسهيل دخول المساعدات الانسانية، وإعادة انتظام الوضعين المالي والاقتصادي المتضررين من النزاع وتسهيل عودة النازحين.

مصدر دبلوماسي واكب النقاشات الجانبية والتحضيرات الجارية لمؤتمر (جنيف 2) كشف لـ “الأنباء” أنّ باريس ومعها بريطانيا ومجموعة دول أصدقاء الشعب السوري، رفضت الورقة الروسية ووضعت عليها عدداً من الملاحظات لتعارضها ومقررات (جنيف 1) ومنها :

ــ الأمر الأول: رفض مشاركة إيران ما لم توقف دعمها لنظام بشار الاسد وتسحب مقاتليها ومقاتلي الميليشيات اللبنانية والعراقية الموالية لها، وتعلن موافقتها على مقررات (جنيف 1).

ــ الأمر الثاني: حصر مشاركة المعارضة السورية، بوفد واحد سياسي وعسكري وبرئاسة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.

ــ الأمر الثالث: البحث في معالجة مصير الأسد، وتحديداً تعيين الآليات التي بموجبها سيحصل انتقال السلطة إلى حكومة مرحلية كاملة الصلاحيات وذلك وفق مقررات (جنيف 1) .

إضافة إلى ذلك رفضت فرنسا اعتبار تقديم السلاح الى قوى الثورة والمعارضة السورية بالعمل الارهابي، ودعت الى تأمين ممرات إنسانية آمنة لتأمين الغذاء الى المناطق المحاصرة.

هذه التباينات والخلافات الدولية تصاعدت حدتها بعد ما نجحت روسيا في اقناع الولايات المتحدة الاميركية تدمير وتفكيك السلاح الكيماوي السوري، وإصدار قرار دولي عن مجلس الامن نجحت الدول الغربية في تضمينه مقررات (جنيف 1) واعتبارها شروطاً ملزمة لأي حل سياسي للازمة السورية.

المصادر الدبلوماسية رأت أن القرار الدولي (2118)، وفّر للنظام السوري فرصة للتنفس السياسي وفرصة عسكرية ساهمت روسيا في الاستفادة منها عبر توفير الدعم الميداني للنظام في حروبه المتعددة مع المعارضة لإحكام السيطرة على بعض المناطق الاستراتيجية التي توفر الحماية الجغرافية للمناطق الساحلية التي يسيطر عليها النظام، كما نجحت بالتعاون مع المخابرات العراقية والايرانية في خرق صفوف المعارضة السورية عبر إدخال جماعات أصولية سلفية الى داخل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، كما هو حال تنظيم (داعش) – “الدولة الاسلامية في العراق والشام”.

ورأت المصادر أن هذا الاتجاه وفّر لروسيا فرصة تحصين مكانة الاسد ونظامه، بحيث نجحت في إقناع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الاوروبية، بضرورة صرف النظر عن تغيير الرئيس الاسد، لأن البديل عنه سيكون لسيطرة القوى الاسلامية السلفية التي يشكل تنظيم “داعش” قوته الاساسية، وبات الحديث عن بقاء الاسد بحكم الضرورة شائعاً في أوساط الدبلوماسية الدولية.

وحدها الدبلوماسية الفرنسية رفضت هذه المقولة، وأعلن الرئيس “فرنسوا هولاند” أن لا مستقبل للاسد في أي تسوية سورية، وأنه لا قيمة لمؤتمر (جنيف 2) ما لم يقرر انتقالاً كاملاً للسلطة الى حكومة انتقالية.

ليس الموقف الواضح للرئيس الفرنسي وحده من عطل المخطط الروسي للقضاء على الثورة السورية، بعد إلغاء الولايات المتحدة قرارها ضرب المواقع العسكرية للنظام، بل إن بسالة الشعب السوري وصموده في وجه الحملة العسكرية التي أطلق العنان لها في دمشق والقلمون وحلب دون حسيب أو رقيب ومواجهته للتقدم الميداني العسكري الذي حاول النظام عاجزاً تحقيقه مدعوما بآلاف المقاتلين الأجانب طوال خمسة أشهر، وبتصديه لعمليات التنكيل الممنهج على ايدي جماعة (داعش) التي تكاثفت قوى المعارضة وطردتها من شمال سوريا ومن المناطق المحررة كافة، ما يعيد للثورة السورية أملها بالنصر.

هذه الوقائع مجتمعة ستكون حاضرة على طاولة (جنيف 2) في 22 الجاري، فهل تنجح المعارضة السورية بخلط الاوراق بعد أن نجحت في لملمة شتات فصائلها في الداخل وطرد (داعش)، وتجعل من جنيف 2 محطة سياسية لفرض شروطها، أم أن الايام القادمة وما تحمله من تطورات متسارعة ستحمل هي الإجابات؟
فوزي أبوذياب

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟