عن أمل جنبلاط المتجدد: لبنان يستحق النضال
14 ديسمبر 2018
آسر هو وليد جنبلاط. الشعور هو الذي يحكم في الاحتكام إلى هالة الرجل. تتمثّل فيه تناقضات متعددة. في التوصيف، هو كتلة تناقضات كتعاقب الليل والنهار، ويابسة وبحار، ويباساً واخضراراً وأخياراً وأشراراً. وفي الرسم، هو صورة تمزج عتق التاريخ بعراقة الثقافة، اخضرار المرج بشغف المدينة. السياسة متحركة. والإنسان كائن تفاعلي يتفكّر. لذلك لا يمكن لوليد جنبلاط أن يكون جامداً. يقولها بوضوح الجرأة، لا يمكن أن يكون الإنسان صنمياً. الصنمية تولّد التبعية. الإستثناءات كثيرة في شخصية الرجل. بحر بحاجة إلى الغوص في أعماق لا تنتهي. “نحن أحرار” يقولها ويمضي.
والإستثنائي لا يستثني نفسه من فعل النقد والانتقاد. يبدأ بنفسه، يبحث عن تغيير، يحفر بإبرة ثغرة في جبل يتوق للتجديد مستنداً إلى عراقة التقليد. الشعب لا يهزم، إنه قضية وللقضية تأبيد. بين الجموع عميد. وفي الصعاب عنيد. لا يتراجع، يقدم من بعيد. حيث لا تنافس بين نشيد ونشيد. الهدف “موطن” سعيد. وشعب حرّ يخشع للباري الحميد، لا لتهديد ووعيد.
الموقف التزام، والسياسة اتزان. وهو الحريص في الميزان. الغاية هي الإنسان، لا ترف ولا استحسان. الالتزام وحدة الأوطان، والسياسة مصالحة بين أهل وجيران. للمصلحة كفة، وللمبدأ عنوان. حيث تجليات القمم لا آسان القيعان. الحق عودة، للاجئين ومشرّدين. والحياة وقفة لثائرين وبحور الهادرين.
الدار أصل، والدور نصل. للمصالحة فصل، وللإصلاح فصل. والزمن خير المنصفين، كي تعود فلسطين. فتتوج السنين، بدرّة تترصع على قمّة جبل الشيخ. من جبل العرب إلى صنّين، ومن غزة إلى جنين. والموقف حصين أمين. راية خافقة مختارة إلى دهر الداهرين. إلى ما بعد نظام دفين.
صريح وليد جنبلاط إلى حدّ التجلّي. يبعد المتزلفين، ويبحر مع الناقدين. لن تعجبه هذه السطور، وقد تحيل كاتبها إلى هامش المهمشين، وإلى جانب المبتغضين. لكن الموقف سلاح، والكلمة اعتراف، بتوصيف يغلبه الحنين. ولا بد من انتظار تأنيب مبين.
لكنني أكتب وفي داخلي راهب وجزّار. الراهب يهتدي بما ألقى جنبلاط عليه الضوء، وجزّار تعتريه رغبة الانتفاض على ما بلغه وضع البلاد. يتحمل الرجل جزءاً من مسؤولية، ولم يتهرّب، فمن تهرّب من معركة الحق كمن تهرّب من معركة الحياة. والحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم، لا للضعفاء. ولذلك يخرج جنبلاط من تفاصيل يومية، وسجالات أزلية، لأن كل الأشياء خاضعة للتأويل، وانتصار التأويل للقوة وليس للحقيقة. فلا بد من استرجاع القوة، وهي الرسالة التي أوصلها إلى حلفائه وأصدقائه، لاستعادة لحظة ألق، ذات ثورة أرز وياسمين.
لبنان بلد يستحق النضال من أجله. هو الأمل المتجدد في جنبلاط المتمرد. لأن العيش بلا أمل هو توقف للحياة. وفي كل لحظة سبات يفاجئك وليد جنبلاط، خارج منطق الحزبية والطائفية، وخارج الحسابات المصلحية من الحكومة إلى الجاهلية، وترفّعاً عن كل ضيق وغايات إنتقامية، ولغاية سامية ووطنية، فيقوم بخطوة جديدة، قائمة على فكرة جديدة وكلمة جديدة، وهذا أكثر ما يخشاه الناس. لكن جنبلاط من النوع الذي يركب البحر ولا يخشى الغرق.
ربيع سرجون – “الأنباء”