تحول جذري في مسار الازمة السوري

فوزي أبوذياب

تؤشر حدة المعارك الجارية في سوريا، بين قوات المعارضة المتمثلة بالجيش الحر وقوات النظام، بأن هناك تحولا جذريا دخلته تلك الحرب المشتعلة منذ سنتين، لاسيما بعد سيطرة المعارضة على مطار منغ العسكري في محافظة حلب، واستهداف قرى الساحل السوري التي يتكتل خلفها عدد لا يستهان به من مؤيدي النظام، وتجمع فصائل المقاومة الشعبية في أكثر من جبهة تحت لواء واحد، والتخطيط شبه المعلن لاستهداف مطارات عسكرية أخرى في محيط حلب، وأطلاق معركة دير الزور، حيث تمكن الجيش الحر من السيطرة على حاجز مدرسة المميزون في الحويقة وتحرير الحي بالكامل، إضافة الى سيطرة مجموعات من المعارضة على منزل محافظ مدينة دير الزور، ومبنى حزب البعث فيها، حيث تستمر الاشتباكات في محيط مطارها العسكري الاستراتيجي بهدف السيطرة الكاملة عليه. أما في محافظة درعا حيث أسر الجيش الحر مجموعة من جنود وميليشيا النظام، بعد معارك ضارية خاضها مقاتلوا الحر للسيطرة على النقاط الحدودية مع الاردن. دمشق ايضاً شهدت معاركها تحولاً اساسياً بعد ان أمسك الجيش الحر زمام المبادرة وهاجم قوات النظام في حي القابون الدمشقي، لا سيما تلك المتمركزة في رحبة الدبابات، حيث دارت معارك عنيفة في محيط شركة الكهرباء، كما دارت اشتباكات عنيفة بين الجيش الحر وقوات النظام في حي برزة وحي جوبر حيث نجحت المعارضة في صد هجمات قوات النظام التي حاولت اقتحام الحي.
مصادر عسكرية في الجيش الحر، وضعت هذا التحول في سياق المتغيرات السياسية التي طرأت على ملف الأزمة السورية، بعد توسيع دائرة القوى المنظوية في “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة” وانتخاب هيئة جديد له من جهة، ونجاحه في طمئنة الدول الداعمة لثورة الشعب السوري بأن دعم الجيش الحر بالسلاح يمنع سيطرة الجماعات السلفية على الثورة السورية، وبالتالي يعيق تمددها في المناطق المحررة، من جهة أخرى. وتلاقى هذا الاتجاه مع تحول جذري في الموقف العربي لا سيما الخليجي لناحية تجميد دعم الجماعات السلفية، والتي كانت ابرز نتائجها انتقال السلطة في قطر الى ولي العهد الأمير تميم بن حمد آل ثاني، وانتقال متابعة الملف السوري الى القيادة السعودية بفعل انتخاب أحمد الجربا رئيساً للإئتلاف المعارض، وبالتالي بدأت تتدفق انواع مختلفة من السلاح وبشكل كبير ومبرمج، الى جبهات القتال بإشراف قيادة اركان الجيش الحر، للمرة الاولى، وبالتوقيت الذي وعدت به قادة الائتلاف، وعلى الرغم من ان انواع السلاح تلك ليست بالنوعية المطلوبة لناحية مضادات الطائرات ومضادات الدروع، إلاَّ أن تطور القدرة القتالية للجيش الحر على سائر التنظيمات المقاتلة بدأ يظهر على الأرض، بسبب عملية التسلح تلك وبسبب دخول اعضاء الجيش الحر في معسكرات تدريب محترفة، ما يدفع الى الاعتقاد بأن المعارك المشتعلة في سوريا سوف تشهد في الايام الـخمسة والاربعين القادمة تبدلاً جذرياً في المعادلة الميدانية وعلى أكثر من جبهة، وهذا ما يبدو جليا لمتابعي التطورات السورية، من خلال انتظام وتيرة العمليات القتالية والاختراقات النوعية التي شهدتها مناطق الشمال والجنوب والساحل.
التطورات العسكرية الميدانية على جبهات القتال، تواكبها حركة سياسية ناشطة يجريها قادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على أكثر من مستوى، كان أولها الجولة التي قام بها اعضاء الإئتلاف الى المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المصرية، ودولة قطر، وإجتماعهم المطول في مجلس الأمن الدولي، والتي حدد فيها الائتلاف شروطه للمشاركة في عملية الحل السياسي للأزمة السورية، والمشاركة في مؤتمر جنيف 2، والتي تتمثل في تسليح الجيش الحر، وإعادة التوازن العسكري على الأرض بعد أن أدى تخاذل المجتمع الدولي إلى كسر هذا التوازن لمصلحة النظام السوري، وعدم المشاركة في اي حوار مع أركان النظام التي تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري، وحصر أي نقاش في إسقاط حكم بشار الاسد، وفي آلية تشكيل حكومة إنتقالية كاملة الصلاحية تضمن انتقال السلطة من النظام الحالي الى الشعب السوري.
هذه الشروط المؤيدة من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وفرنسا وبريطانيا. والتي ترى مصادر الإئتلاف أنها تلقى رفضاً روسياً وإيرانياً ما يعيق عقد مؤتمر جنيف 2 ، وبالتالي عدم إنضاج أي اتفاق دولي على آلية الحل السلمي، ما يتطلب من الإئتلاف إتخاذ تدابير جدية ميدانية توفر الحماية للشعب، وتنظم شؤون المناطق المحررة، وهذا الخيار الجديد بات ضاغطاً برأي مصادر الإئتلاف ليس لأنه أقر في اجتماع الهيئة السياسية السابق، بل لأن حالة الفوضى بدأت تسيطر على تلك المناطق لاسيما بعد أن بدأت الجماعات السلفية اتخاذ إجراءات تعسفية تسيء للثورة السورية ولتراث الشعب السوري، كما برزت بعض المظاهر الانفصالية لدى بعض الجماعات الكوردية، ما يهدد وحدة سوريا والمنطقة.
المصادر كشفت إن الهيئة السياسية لـ “الائتلاف الوطني السوري” شارفت على الانتهاء من صوغ رؤية سياسية تتضمن توجهات سياسية وأموراً تنظيمية تحدد العلاقات الداخلية ضمن الائتلاف أولاً، وعلاقته مع الجيش الحر ثانياً، مؤكدة أن سلاحاً نوعياً سيصل قريباً إلى مقاتلي المعارضة. وكشفت المصادر أن مبررات عدم تشكيل الحكومة موقتة لإدارة شؤون المناطق المحررة، لناحية مخاطر الهجمات الجوية، قد ينتفي إذا توفرت المضادات الجوية التي ستحصل عليها المعارضة، أو من خلال حظر جوي قد تطلبه الحكومة المؤقتة من مجلس الأمن الدولي أو بعض دول الجوار إذا ما توفرت القدرة الذاتية على ذلك، وإن هذه الخطوات ستتبلور في الأيام القليلة المقبلة، لا سيما بعد نجاح جولة قيادة الائتلاف على عدد من الدول، وبعد نجاح مقاتلي الجيش الحر تحقيق التقدم النوعي والميداني على الأرض.
فوزي أبوذياب

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟