هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

فوزي أبوذياب

تتعثر الجهود المكثفة التي يبذلها المبعوث الدولي – العربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، والتي تصب في اتجاه التحضير لعقد مؤتمر (جنيف2)، الذي ضُرِبَت له مواعيد افتراضية متعددة، كان آخرها (23 و24 تشرين الثاني)، الموعد الذي سربه إلى الإعلام نائب رئيس الحكومة السورية المُقال بمرسوم جمهوري قدري جميل، بعد لقاءٍ عقده مع مسؤولين في الخارجية الروسية، هذا الموعد الذي اتفق عليه وزيرا الخارجية الاميريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، في لقائهما في بالي بإندونيسيا في السابع من تشرين الاول الماضي، حيث حث الأمم المتحدة على التحرك لتحديد موعد لمؤتمر للسلام في سوريا بأسرع وقت ممكن، قال لافروف حينها “إن موسكو وواشنطن ترغبان في الدعوة إلى هذا المؤتمر منتصف تشرين الثاني القادم”، وأكد كيري خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الروسي: “أنه متفق مع لافروف على اعتبار أن الحل في سوريا ليس عسكريا، وأن واشنطن وموسكو تتشاركان المصلحة نفسها بألا يكون ثمة من وصفهم بمتشددين متطرفين- في هذا الجانب أو ذاك- يستفيدون من وضع وموقع أكثر أهمية في سوريا”. منذ ذلك الحين وبعد أن دخلت المرحلة الاولى من القرار الدولي (2118)، المرتبط بالسلاح الكيماوي السوري حيز التنفيذ، وأعلنت المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية تعاون النظام السوري معها، والتحقق من تدمير كل معدات الانتاج والمزج والتعبئة المعلن عنها والموجودة لديها، في المواقع الثلاثة والعشرين التي شاهدتها، انطلقت عجلة التحضيرات الجديدة لعقد مؤتمر السلام من أجل سوريا المعروف بمؤتمر (جنيف2)، بعد أن أرجئت المواعيد السابقة مرات عدة، حيث حدد الموعد الاول للانعقاد في حزيران الماضي ثم في تموز وفي أيلول، والذي حالت تعقيدات مختلفة عن انعقاده، لا سيما الخلاف الروسي الاميركي على تفسير اتفاق (جنيف1) الذي يشكل القاعدة الأساسية لحل الأزمة السورية، والذي يتحدث عن حكومة انتقالية كاملة الصلاحية، دون أن يحدد دور وموقع بشار الاسد في هذه المرحلة. ما اتفق عليه كيري ولافروف في بالي، وما قاله المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي لصحيفة لوموند الفرنسية، واضح جدا ويتلخص في نقاط ثلاث: لا حل عسكريا في سوريا، ما يعني أن الحل سياسي، وأنه لا مناص من تسوية بين المعارضة والنظام. لا مكان للمتطرفين والمتشددين من الطرفين في أي تسوية، لا في السلطة ولا في المعارضة. بدء عملية سياسية على قاعدة (جنيف1)، أي تشكيل حكومة انتقالية من النظام والمعارضة كاملة الصلاحية، “لا دور أساسياً للأسد فيها”، وفق ما قاله الابراهيمي. هذه النقاط تشير إلى أن مهمة (جنيف 2) إطلاق عملية سياسية لإنهاء الأزمة السورية، برعاية دولية (أميركية – روسية – عربية)، وضمان نجاح هذه العملية يتطلب وفق مصادر الأمم المتحدة، مشاركة فريقي النزاع في سوريا ممثلين عن المعارضة الفعلية والفاعلة وصاحبة التمثيل الحقيقي، وممثلين عن النظام، ومشاركة دول الجوار التي تعاني ترددات هذه الأزمة من جهة وتشارك فيها بشكل أو بآخر من جهة أخرى كما هو حال لبنان والعراق وتركيا والأردن، إضافة إلى مشاركة الدول الإقليمية الداعمة لأطراف النزاع أي إيران والمملكة العربية السعودية ودولة قطر. التحضيرات الجارية لعقد هذا المؤتمر والتي يتولى المبعوث الدولي العربي الى سوريا الأخضر الإبراهيمي القيام بها بمواكبة من الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” وفريقه المساعد، أظهرت وجود تباينات وعقبات كبيرة وكثيرة، وقد لا يمكن تجاوزها في الفترة الزمنية المتبقية لعقد هذا المؤتمر، ما يضع عملية التأجيل في موقع الترجيح الى حين انعقاد اللقاء التحضيري (الأميركي – الروسي) في جنيف الاسبوع المقبل، وفق مصادر غربية قالت: “إن كل المؤشرات تظهر أن هدف “عقد المؤتمر في 23 تشرين الثاني سيكون من الصعب تحقيقه”. المصادر الغربية لخصت للأنباء الصعوبات التي تمر فيها عملية التحضير، والعقبات التي تعيق إمكانية عقد المؤتمر في الموعد المفترض في 23 تشرين الثاني بالنقاط التالية: التباين والغموض في الموقف الأميركي – الروسي تجاه مصير الأسد ودوره في المرحلة الانتقالية، وتجاه مشاركة المعارضة. فروسيا تصر على مشاركة معارضة الداخل ولا تعترف بدور اساسي للإئتلاف، فيما الموقف الاميركي يعتبر الإئتلاف هو الممثل الوحيد للمعارضة السورية كونه يضم أطيافاً مختلفة وشرائح عديدة من المجتمع السوري. وهذه التباينات تنعكس على مواقف طرفي النزاع المتشددة. موقف الأسد المتشدد والرافض لأي تسوية سياسية تبعده عن السلطة، ويعتبر نفسه منتصراً في المواجهة العسكرية و”الحرب الإرهابية الكونية التي يواجهها”، وبالتالي يرفض حضور المؤتمر كطرف، ويصر على قيادة الحوار السوري – السوري، ويشترط وقف الدعم العربي والدولي للمعارضة التي يصفها”بالإرهابية”. تشتت المعارضة وعدم قدرتها الاتفاق على رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية، ولا على مشاركة أطيافها المختلفة ضمن فريق واحد بما في ذلك معارضة الداخل والفصائل العسكرية التابعة للجيش الحر، وهذا التشتت له عوضاً عن إعلان المجلس الوطني رفضه المشاركة، وهو أكبر تحالف متماسك مدعوم من الإخوان المسلمين، كما تشترط المعارضة عدم مشاركة من “تلطخت أيديهم بدماء السوريين” ضمن وفد النظام، كما تشترط عدم إعطاء الأسد أي دور في المرحلة الانتقالية. قلق بعض الدول لا سيما فرنسا والمملكة العربية السعودية ومعها بعض الدول الأوروبية المنضوية تحت تجمع “أصدقاء سوريا” من الغموض الذي يلف الصفقة الأميركية الروسية حول سوريا والتي أنتجت القرار الدولي 2118 حول السلاح الكيماوي، ومن الغموض الذي يلف الحوار الاميركي – الإيراني الذي تلعب فيه روسيا دوراً ما غير معلوم، ما يثير الشكوك حول ما إذا كان جنيف 2  سيحقق أهدافه المعلنة أم سيأخذ منحىً آخر، يعيد انتاج النظام الحالي بطريقة جديدة، أم سيدفع بسوريا نحو مزيد من التشرذم تدخل بعدها المنطقة في مرحلة جديدة (سايكس – بيكو2 ). مشاركة الدول الإقليمية في المؤتمر حيث يرفض الأسد حضور الدول الداعمة للمعارضة، خاصة المملكة العربية السعودية وقطر، كما ترفض المعارضة مشاركة إيران التي تدعم النظام وتمنع سقوطه، وترسل الخبراء والمقاتلين من لبنان والعراق لدعمه والدفاع عنه، فيما ترى الأمم المتحدة ضرورة حضور إيران لدورها في أي تسوية بفعل تأثيرها الميداني على أرض الواقع، وهذا ما يثير تحفظ المملكة العربية السعودية على الدور الإيراني في المنطقة وعلى الانفتاح الاميركي على هذا الدور. إيران بدورها أعلنت استعدادها لحضور المؤتمر وتعتبر “أن غيابها عن هذا الحضور لا يفيد الاستقرار ولا الاجتماع”. وسط غابة الشروط والعقبات تلك ومساحة الغموض التي تلف آليات صنع القرار الاميركي تجاه الازمة السورية، والتناغم غير المسبوق بين الخارجية الاميركية والخارجية الروسية، يجول الأخضر الابراهيمي على عواصم المنطقة ويطلق تصريحات متناقضة، تؤشر إلى أن مؤتمر جنيف بات قدراً قائما كمدخل لحل الأزمة السورية، وإن “احتمال فشله سيدخل المنطقة في خطر هائل” وفق ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، وأنه سيمنح الأسد فرصة تمديد ولايته الرئاسية التي تنتهي في أيار المقبل، وفق ما قال مساعد الامين العام للأمم المتحدة الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمن، فهل يذهب الجميع الى الحل، أم أن احتمالات التأجيل ممكنة لدخول الجميع في تسوية شاملة على قاعدة رابح – رابح، أو لا غالب ولا مغلوب وفق الطريقة اللبنانية؟
فوزي أبوذياب

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟