لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

فوزي أبوذياب

تتراكم الملفات الخلافية وسط محاولات حثيثة لتخفيف حدة التوتر السياسي والتشنجات التي باتت تهدد استقرار العملية السياسية التي تشكل الحد الادنى من استقرار البلاد الواقفة على رصيف الانتظار الى حين استبيان اتجاه الاوضاع الاقليمية المشتعلة في اليمن وسوريا والعراق، والمشرعة على مزيد من الاشتعال قبل 30 حزيران القادم موعد انتهاء المفاوضات حول الملف النووي الايراني. حيث تزامن توقيع اتفاق الاطار الاول في جنيف في حزيران 2014 مع ظهور نجم “داعش” وسرعة انتشاره على مساحة جغرافية في العراق وسوريا، التي كانت خاضعة تحت سيطرة النفوذ الايراني وحلفائها، كما تكرر المشهد في شكل آخر قبيل أيام من موعد توقيع إتفاق الاطار الثاني في لوزان نهاية آذار الماضي 2015، حيث انطلقت عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ودول اخرى بهدف اعادة بسط شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي على اليمن إثر الانقلاب الذي قامت به جماعة انصار الله الحوثية المدعومة من ايران ومحاولة سيطرتها على اليمن وصولا الى مضيق باب المندب. حيث شكلت العملية العسكرؤية تلك صفعة سياسية وعسكرية لمحاولات التمدد الايراني في منطقة الخليج العربي، انعكست اصداؤها على مفاوضات لوزان.

عاصفة الحزم العربية التي وصلت مفاعيل تأثيراتها أيضا إلى الجبهة السورية حيث أعادت رسم توازن القوى العسكرية في الميدان السوري لصالح قوى الثورة والمعارضة، فبعد سقوط إدلب وحماه ومعبر جسر الشغور، وفشل النظام وحلفائه استعادة المواقع التي خسرتها في درعا والجبهة الجنوبية وعدم قدرتها على التقدم في جبهة الوسط تتجه الانظار نحو معركة القلمون التي يستعد لها الطرفين لأهميتها الاستراتيجية.

وسط هذه العواصف الملتهبة تتراكم الملفات الخلافية في الداخل بين القوى السياسية داخل الائتلاف الحكومي، حول ملف الموازنة وارتباط هذا البند بسلسلة الرتب والرواتب من جهة، وبقطع الحسابات للحكومات المتعاقبة منذ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي استقال ثلث اعضائها بعيد حرب تموز 2006، الى بند التعيينات للقادة الامنيين حيث برفض العماد عون وممثليه في الحكومة التمديد للقادة الحاليين لا سيما لقائد الجيش العماد جان قهوجي، فيما يرفض آخرين تعيين العميد شامل روكز صهر العماد عون في هذا الموقع، ما يهدد استمرار عمل الحكومة، لا سيما بعد تصريع عون الاخير “أن خياراته في هذا الموقف مفتوحة على كافة الصعد وأنه بلغ السيل الزبى”، لا بل فإن الخلاف على هذين الملفين الموازنة والتعينات، ينعكس ايضا على انعقاد جلسات المجلس النيابي واقتراح الرئيس بري تشريع الضرورة كي لا يتعرض المجلس النيابي للاستقالة إذا ما انتهت الدورة التشريعية دون تشريع، بعد أن انضم تكتل الاصلاح والتغيير الى التكتلات المسيحية الاخرى التي ترفض التشريع قبل انتخاب رئيس الجمهورية، بحجة ان المجلس في ظل الشغور الرئاسي يعتبر “هيئة ناخبة” وليس “هيئة تشريعية”، فيما يختلف المشرعون على هذا التصنيف بحيث يربط البعض بين وظيفة الجلسة وصيغة الدعوة التي يوجهها الرئيس ويحدد على أساسها جدول الأعمال بالتنسيق مع هيئة المجلس، وعلى الرغم من اصرار الرئيس بري عقد جلسة تشريعية للمجلس قبل نهاية العقد التشريعي العادي نهاية أيار الجاري إلاّ أن حرصه على ميثاقية الجلسة وحضور كافة المكونات الاساسية لا سيما المكون المسيحي يحول دون هذا الانعقاد، يضع دورة العقد التشريعي تحت قبضة التعينات الامنية المعلقة على حبل الخلافات المصيرية، وضمن تسوية الموازنة وملفاتها المالية من قطع الحسابات إلى موارد السلسلة وتطابق هذه الموارد مع نفقاتها، إلاّ أن البعض يرى عكس ذلك لناحية تمديد الازمات حتى بلوغ لحظة إقليمية حرجة تدفع الجميع نحو المأزق، ولا يرى هذا البعض حظوظاً قوية للسلسلة خلال العقد التشريعي الحالي على اعتبارها جزء من عملية إصلاحية معلقة على بوابة انتظار انتخاب الرئيس العتيد.
مصادر نيابية كشفت لـ “الأنباء” أن الامور فعلا معقدة، وإن احتمال تعطيل الجلسات تشريعية في العقد العادي لمجلس النواب الذي ينتهي اواخر ايار المقبل، قائمة إذا ما نجحت الاتصالات الجارية على خط الرابية – حارة حريك الى مخرج لعقدة التعينات الامنية حيث ان حزب الله مطمئن لدور وموقف العماد قهوجي في “محاربة الارهاب”، كما أن نجاح التنسيق بين وزير الداخلية نهاد المشنوق وتعاونه مع مسؤول الارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا أتمر خططاَ أمنية أراحت الحزب في الداخل وأسقطت عنه تهمة “الدولة ضمن الدولة” حيث باتت القوى الأمنية منتشرة وممسكة بزمام الأمور على مساحة الوطن تقريباً، فهل ينجح للحزب في إقناع حليفه عون تجاوز أزمة التعيينات، وماذا يمكن للحزب أن يقدم لحليفه، بعد أن رفع عون الصوت عالياً بوجه حليفه “كما يمكن أن يتركني الناس، أستطيع أنا أيضاً أن أتركهم، ومن يسير معي يمكنني أن أسير معه، لأنّ الأمر لم يعد يحمل أكثر من ذلك، بلغ السيل الزبى وقد طفح الكيل”. فهل يحتمل حزب الله خسارة حليفه الذي خاض معه ولازال معركة تعطيل الانتخابات الرئاسية، بعدم حضورهم الجلسات الانتخابية التي فاق عددها عشر جلسات.

يجمع المراقبون أن هوة المواقف المتباعدة بين عون وحليفه حزب الله بلغت مرحلة لم يسبق ان وصلت إليها منذ شباط 2006، لا سيما بعد عاصفة الحزم، فعلى الرغم من تلاقي مواقف الطرفين حول قرار تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، فإن الطرفين استفادا منه لغايات مختلفة، فعون لازال يأمل بوصوله الى بعبدا ويعتبر موقع الرئاسة من حقه الحصري ، ولم يعد مستعدا للتضحية بهذا الموقع لغيره كما فعل في مؤتمر الدوحة في أيار 2008، فيما حزب الله استفاد من موقف عون المتشدد الذي عطل امكانية التوافق المسيحي – المسيحي من جهة، والمسيحي – الاسلامي من جهة أخرى، ما وضع الملف الرئاسي في خانة القضايا الاقليمية الخلافية بين الرياض وطهران، ورهن التوازنات الاقليمية وموقع لبنان ودوره المستقبلي في الصراع الاقليمي، وبات الملف الرئاسي معطلا ينتظر الحلول الخارجية، فيما يتحمل مسؤولية هذا التعطيل جزء اساس من المكون اللبناني.

يختلف المراقبون في نظرتهم للظروف الحالية المعقدة، بين من يرى إمكانية الخروج من تلك الأزمة بتسوية رابح – رابح يقتنع بها الجميع يمدد خلالها لبعض الاسماء ويعين أسماء أخرى، مقابل تمرير الموازنة وقطع الحسابات المعلقة، والتصويت عليها في جلسة “تشريع الضرورة” دون إقرار السلسلة تحت شعار التباين على الأرقام والخوف على سعر صرف الليرة في ظل التأزم الاقليمي، ويستند هذا البعض إلى حاجة القوى المختلفة الحفاظ على الحكومة والاستقرار وديمومة عمل المؤسسات، من جهة، والتزاماً بالنصائح الاقليمية والدولية بضرورة الحفاظ على الاستقرار الحالي والتوقف عن الرقص على حافة الهاوية، والانكباب على معالجة القضايا الداخلية للمواطنين، ومنع امتداد النيران المشتعلة الى الداخل، بانتظار انقشاع الصورة، وما ينتظر المنطقة من انفجارات قبل وبعد توقيع الاتفاق النووي الايراني مع الدول الست (5+1) نهاية حزيران القادم.

ويرى هذا البعض ان عاصفة الحزم في اليمن عدلت في موازين القوى الاقليمية، سيما وانها ترافقت مع تقدم نوعي للمعارضة السورية على أرض الواقع، وتضعضع في الجبهة الحكومية في العراق وارتفاع حدة الانقسام الطائفي السني – الشيعي، ما يضع حزب الله في موقع محرج يضطره لتقديم التنازلات والحفاظ على الاستقرار الداخلي وتحصين جبهته الداخلية من بوابة الحوار والخطط الامنية والتمسك بموقعه الحالي في الحكومة، الى حين تبيان مصير الاسد ودور حزب الله في المنطقة بعد ان تخلت ايران عن حليفها الحوتي في اليمن وخضعت للضغوط الأميركية وقف الهجوم على الانبار بعد الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات الحشد الشعبي في تكريت والتي اثارت غضب دول التحالف العربي – الغربي ضد (داعش). فيما يرى البعض الآخر عكس ذلك على قاعدة حاجة إيران تعويض خسائرها الاقليمية بانتصارات جديدة تمسك باوراقها قبل الثلاثين من حزيران، ما يعني برأي هذا البعض ان الامور في الداخل قد تدخل طريقها نحو التصعيد والتأزم وربما الفراغ.

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟