الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

فوزي أبوذياب

في الوقت الذي تتعمق فيه المناقشات في مجلسي الشيوخ والنواب الاميركي لمنح الرئيس باراك أوباما تفويضاً بتوجيه ضربة عسكرية عقابية ضد النظام السوري، تتبلور لدى المراقبين العسكريين شكل وحجم العملية العسكرية المرتقبة والتي باتت تنحصر في أحد المسارين التاليين: إما توجيه ضربات عسكرية رمزية تهدف إلى استعادة المصداقية حول تصريحات الولايات المتحدة المتعلقة بـ”الخط الأحمر” أو أن تكون محاولة جادة لتحديد نوايا نظام الأسد وقدراته العسكرية. وفيما رجحت مراكز الأبحاث العسكرية اعتماد المسار الثاني من العملية، بعد تأجيل تنفيذ الضربة والذهاب الى الكونغرس للحصول على تفويض بذلك، حيث لا يحتاج المسار الأول من العملية لهذا الضجيج السياسي والاعلامي والحشد الدولي.
وما كشفته المناقشات المعمقة التي جرت في لجنة العلاقات الخارجية مع وزيري الخارجية والدفاع جون كيري وتشاك هيغل، ورئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، تشير إلى أن الضربة “المحدودة الاهداف” ليست تجميلية وعابرة كما يعتقد البعض، وليست على غرار العمليات التي شنتها الطائرات الاسرائيلية على مواقع عسكرية والتي خرج النظام بعدها ليقول أنه “يحتفظ بحق الرد”، سيما وأن المناقشة الدقيقة لقائمة الأهداف الاستراتيجية والتقليدية والنتائج المبتغاة منها، والتي أوضحها الجنرال ديمبسي تتدرج في سياق رؤية شاملة تتطابق فيها الاهداف العسكرية مع الاهداف السياسية، ولذلك فإن الضربات قد تتدرج في مراحل تصاعدية ومختلفة، وستتجاوز على أقل تقدير ردع النظام عن امكانية استخدام الأسلحة الكيميائية مستقبلاً، وتلامس مجموعة كبيرة من النطاق مثل الحد من هجمات النظام على المدنيين عموماً، وإعاقة قدرته على الاستفادة من المساعدة المتبادلة بينه وبين حلفائه المدعومين من إيران (حزب الله والميليشيات العراقية) إضافة الى خبراء الحرس الثوري الايراني، عوضاً عن شل قدرات النظام وقواته على شن هجمات عسكرية شاملة أو محدودة في المحافظات السورية المختلفة بما فيها الهجمات الجوية عبر الطائرات والمروحيات أو الهجمات الصاروخية البالستية منها والمتوسطة المدى.
من الطبيعي أن تتركز أهداف الضربة بالأسلحة الكيميائية ومخازنها، كجزء من العقاب الضروري لانتهاك الاسد ونظامه الأعراف الدولية وتجاوزه الخطوط الحمراء التي حددها الرئيس الاميركي باراك أوباما قبل عام كجزء من جائزة ترضية للنظام وحماته الإقليميين والدوليين بما فيها إسرائيل، ورد فعل أميركي على استخدام الفيتو الروسي الصيني في مجلس الامن تجاه اي حل دولي للأزمة السورية، وبالتالي فإن المهمات المثلى للضربة العسكرية هي القضاء على قدرة النظام شن هجمات بالأسلحة الكيميائية، عبر التخلص من مخازن الأسلحة الكيميائية وأنظمة التوصيل، وهذه العملية قد تحتاج الى عملية نوعية خارج إطار الظروف العامة للحروب، والتي ألمح إليها وزير الدفاع الأميركي بحديثه عن تضمين الضربة العسكرية “عمليات كوماندوس محدودة” دون تدخل قوات عسكرية أميركية، ما يعني مشاركة عسكرية نوعية لمقاتلين من “الجيش الحر” ضمن العملية.
ولضمان نجاح عملية الردع المستقبلية لاستخدام النظام للأسلحة الكيميائية فيما لو حصلت أي أحداث مفاجئة ستلجأ القيادة العسكرية المشتركة للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، إلى إعادة صياغة حسابات النظام عبر التدمير الكامل لقدرات الفرقة المدرعة الرابعة المتمركزة في دمشق – وهي الوحدة المسؤولة عن الهجوم بالأسلحة الكيميائية على بلدة الغوطة في 21آب الفائت. وقد تشمل الأهداف المحددة مقرات الفرق العسكرية وأماكن ركن المركبات وأنظمة توصيل الأسلحة الكيميائية (القذائف والمدفعية والصواريخ).
مصادر عسكرية متابعة أوضحت “للأنباء” أن الهجوم على مجموعة أهداف متفرقة ليس بالمسألة المعقدة بالنسبة للجيش الأميركي وقواته المتمركزة في المتوسط، بيد أن ما يقلق المتابعين ارتباط شبكة الدفاع الجوي السوري، بقيادة العمليات الروسية، المتمركز في المتوسط ما يجعلها قوية من الناحية النظرية، وتقدم درجة كبيرة من الحماية، سيما وان أجهزة الرصدالروسية كشفت مسبقاً عملية اختبار إطلاق صاروخ بالستي في البحر المتوسط الاسبوع الماضي والذي قالت اسرائيل إنه جزء من مناورة مشتركة بينها وبين البحرية الاميركية، بيد أن ذلك ليس بالضرورة معياراً أساسياً برأي المرجع العسكري نفسه الذي فضل عدم الكشف عن إسمه، فعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، شنت إسرائيل غارات جوية في الداخل السوري كانت مباغتة للنظام ولم يتم التصدي لها بفعالية، وشملت هجمات استهدفت منشآت الفرقة الرابعة المدرعة بالقرب من دمشق”. كما أن المقاتلات الجوية الأميركية من الجيل الرابع وغيرها من مصادر القوة الأخرى تستطيع أن تحقق تفوقاً جوياً داخلياً، وتدمر الدفاعات الجوية للعدو، وتعترض طريق القوات الميدانية وأنظمة الأسلحة الكيميائية في المناطق المحددة. وتحمل هذه الطائرات رؤوساً استكشافية عالية الدقة فضلاً عن العديد من القنابل الصغيرة القطر والتي تساعدها الأقمار الصناعية وتعتبر مثالية “لاستهداف” صواريخ العدو الفردية وقاذفات الصواريخ والمركبات فضلاً عن استهداف المخازن والمستودعات على نطاقات ممتدة خارج نطاق مناطق الاشتباك بصواريخ أرض – جو. وبطبيعة الحال، لا يمكن استبعاد إمكانية حدوث أي أضرار جانبية وسقوط ضحايا بين المدنيين نظراً لأن بعض عناصر الفرقة المدرعة الرابعة تتمركز في المناطق الحضرية على مشارف ضواحي دمشق.
ومن المرجح أيضاً وفق المصادر أن توجه واشنطن، ضربات حاسمة لإحدى الوحدات الأكثر أهمية بالنسبة للأسد، وهي اللواء المائة وخمس وخمسين الكائن في وسط دمشق الذي يقوده ماهر الأسد. وقد تأكد ذلك من خلال إظهار عزم وإصرار الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية كبيرة إلى دمشق، بعد قمة العشرين في “سان بطرس برغ” وذلك باستخدام أسلحة توجهها عناصر عسكرية بدلاً من الاقتصار على صواريخ كروز وتوماهوك. فمثل هذه المنهجية ستؤكد للقيادة في سوريا أن الأهداف العسكرية الأميركية ستصل وبالتعاون مع وحدات خاصة من “الجيش الحر” ، “إلى وسط المدينة” ونحو “المراكز الدفاعية للنظام الأكثر قوة” منذ اليوم الأول لتوجيه هذه الضربة، وستطال الأهداف الرمزية المرتبطة بالهجمات التي يشنها النظام ضد المدنيين، لاسيما مقرات استخبارات القوات الجوية والقواعد الجوية العسكرية في ضمير وسيكال وتياس وحماة ووحدات “الجيش الشعبي” الجديدة التي تمولها إيران ويدربها حزب الله. كما قد يكون من المفيد أيضاً استهداف أنظمة الدفاع الجوي المتنوعة ومرافق الاتصالات الآمنة من أجل جعل الهجمات المتتابعة أقل خطورة بالنسبة للقوات الأمريكية.
وكان أكد صحة هذه المعلومات “للأنباء” أحد قادة أركان “الجيش الحر” العقيد قاسم سعد الدين الذي كشف أن “الوحدات الخاصة للجيش الحر التي جرى الحديث عنها في خلال المناقشات الأميركية، تم تدريبها بشكل مركز في الأردن وتركيا. وستتولى الدفع باتجاه تقدم الثوار نحو دمشق، ونحو الجبهات الأخرى كافة، بهدف السيطرة على المطارات العسكرية ومراكز القيادة وألوية الصواريخ والحواجز ومستودعات الاسلحة”. وكشف عن أن تحديد “ساعة الصفر لانطلاق هذه المهمة مرتبط بلحظة بدء الضربة العسكرية الأميركية على سوريا”.
من الواضح أن قرار الضربة العسكرية الذي اتخذه الرئيس الأميركي باراك أوباما سيشكل نقطة تحول مهمة ليس في مسار الأزمة السورية فحسب، إنما في صياغة توازنات القوى في المنطقة، فبعد سنتين ونصف من ترك الملف السوري لخيار الحل السوري كجزء من ترتيب أوضاع المنطقة فإن التحولات التي شهدتها كل من المملكة العربية السعودية وقطر والثورة الثانية في مصر التي أزاحت حكم الأخوان، والتحولات التي شهدتها وتشهدها إيران بعد إنتخاب “المعتدل – المحافظ” حسن روحاني ووصوله الى سدة الرئاسة وسط مشاركة كثيفة أذهلت القيادة الإيرانية بما في ذلك المرشد الأعلى الدكتور علي خامنئي، إضافة إلى نجاح الدبلوماسية الأميركية في إعادة إطلاق حركة المفاوضات السلمية “الفلسطينية – الإسرائيلية”، شكلت دافعا مهما لدى البيت الأبيض لإعادة النظر في مواقفها في المنطقة، وجاءت مجزرة الكيماوي في ريف دمشق لتقطع “شعرة معاوية” وتعيد ترتيب الأمور مجدداً إنطلاقا من تطبيق إتفاق جينف وفق رؤية المعارضة بعد شطب بشار الأسد من المعادلة بحكم انتهاكه الخطوط الحمر، وهذا ما يربك روسيا ويجعل من قيصرها غير قادر على الركب في قطار التحولات في المنطقة.
فوزي أبوذياب

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟