هل أطيح بظاهرة الأسير أم أسس لظواهر مماثلة؟

فوزي أبوذياب

شكلت العملية العسكرية النوعية التي قام بها الجيش اللبناني في صيدا، ضد مجموعة إمام مسجد “بلال بن رباح”، الشيخ أحمد الأسير، في منطقة عبرا وإقفال مكاتبه واعتقال مناصريه من المسلحين، بعد الاعتداء الإجرامي على حاجز للجيش اللبناني  ظهر الأحد الفائت، الحدث الأبرز، والأكثر تأثيرا في المشهدين السياسي والأمني الداخلي، لما يحمل هذا الحدث بشكله ومضمونه وطريقة التعامل معه، أبعاد ورسائل تتجاوز حدود صيدا، وإنهاء ظاهرة “الأسير”.

مما لا شك فيه أن الاعتداء المجرم الذي طاول حاجز الجيش اللبناني في منطقة عبرا، مدان ومستنكر ويستدعي معاقبة المجرمين والمعتدين ومحاسبتهم أشد حساب، فهيبة الدولة وحماية مؤسساتها مسألة لا تفاوض بشأنها، كما أن الاعتداء على مؤسسة الجيش اللبناني والتطاول عليه وعلى المؤسسات الأمنية الأخرى، أمر مرفوض جملةً وتفصيلاً. لكن ذلك لا يمنع من التمحيص والبحث في أسباب وتقاطعات الأحداث وارتباطها ببعض، سيما وأن بعض التصاريح الدولية ربطت بين ما جرى في صيدا وبين الأحداث الجارية في سوريا، كما وأن لمجريات الأحداث المتعددة في لبنان والمتنقلة بين منطقة وأخرى، ومن ضمنها ظاهرة “الأسير”، تشابكات محلية وإقليمية، مرتبطة بأحداث سوريا من جهة، وبالنزاعات الإقليمي والدولية الأميركية – الروسية، والغربية – الإيرانية وتضارب المصالح فيما بينها، من جهة أخرى.

لقد ملأ الشيخ أحمد الأسير مساحة صغيرة من الفراغ السياسي الذي فرضته تطورات الأحداث اللبنانية، بعد السابع من أيار 2008، واشتد عوده بعد إقصاء الرئيس سعد الحريري من على رئاسة الحكومة، واستفاد بلا شك من الحراك العربي التصاعدي، ومن نشوة الإسلام السياسي بعد انتخابات تونس، ووصول الرئيس محمد مرسي إلى سدة الرئاسة في مصر، ونجح في إطلاق خطاب سياسي عاطفي شعبوي جريء، لامس “مظالم الطائفة السنية” في لبنان، ما وفر حوله حالة من التعاطف الشعبي والمؤيد لخطابه.

لقد استفادة الشيخ الأسير وغيره من دعاة الخطاب السلفي في لبنان، من الدفع الذي توفر لجبهة النصرة التي احتلت صدارة المشهد السوري الثوري والمعارض، بفعل الجرائم المتمادية للنظام السوري من جهة، وتراجع الدعم الدولي للجيش السوري الحر والمعارضة الليبرالية السورية، واختصار هذا الدعم على المؤتمرات الشكلية والمواقف الخطابية، من جهة ثانية، ما وفر للشيخ الأسير الدعم المالي الوفير والقدرة على تجنيد من يواليه الشباب الرافض لتلك المظالم، لا بل تحدي الجهة التي تفرض هذه “المظالم” و”تتطاول على الطائفة السنية”  والتي يشكل حزب الله أس حربتها كما أعلن الشيخ الأسير في أكثر من خطاب له.

كما وجد الأسير وأتباعه بالأحداث التي حصلت في طرابلس وفي حاثة مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه الشيخ حسن مرعب في الكويخات، وما سرب من معلومات عن تعقب حزب الله للواء الشهيد وسام الحسن، وأحداث عرسال والتي تورطت فيها مجموعات من حزب الله إلى جانب الجيش اللبناني، وعدم اتضاح التحقيقات في تلك الأحداث او حتى معاقبة مرتكبيها، إضافة إلى عدم قدرة الجيش التأكد من صحة المعلومات التي أثارها الأسير لناحية سيطرة مجموعة من مقاتلي حزب الله على إحدى الشقق في منطقة عبرا، والتي اتضح أنها معلومات صحيحة بحيث قام حزب الله بإخلاء هذه الشقق بعد أحداث عبرا الأليمة.

وبعيداً عن الاستعراضات الإعلامية والمظاهر الفولكلورية التي عمد الشيخ الأسير تلطيف صورته من خلالها، إلا أنه شكل والمتعاطفين معه والمجندين في تياره، ظاهرة أقلقت حزب الله، الذي جند قواه الإعلامية والأمنية لتعقبها وترصدها والإيقاع بها، وهذا ما كشفته التقارير الإعلامية، والصور التي تناقلتها وسائل الإعلام عن تورط حزب الله أو انتشاره في أحياء عدة من صيدا خلال أحداث عبرا، ما يتطلب التدقيق في أهداف تلك الأحداث ومسبباتها وتقاطعاتها المحلية والإقليمية، سيما وان الشيخ الأسير أعلن قبل ايام من احداث عبرا، عن قراره تأجيل تحركه ضد شقق حزب الله في محيط مسجد بلال بن رباح إلى ما بعد الامتحانات الرسمية في صيدا، إفساحا في المجال أمام الاتصالات التي كان يقوم بها بعض المشايخ بين الأسير وحزب الله إثر الحادث الذي أودى بحياة مقاتلين من سرايا المقاومة في عبرا الأحد 16 حزيران ، أي قبل أسبوع من عملية الجيش الأخيرة في 23 و24 حزيران الجاري.

مصادر أمنية متابعة لأحداث صيدا وتطورات الوضع الميداني والعسكري في سوريا، ربطت بين أحداث صيدا وما نتج عنها من الإطباق على ظاهرة الأسير، وبين مشاركة حزب الله في المعارك الدائرة في سوريا، وقالت في حديث خاص مع الأنباء، “إن حزب الله يخوض معاركه في سوريا تحت شعار استراتيجي، حماية ظهر المقاومة، وبالتالي فإنه بحاجة أيضاً إلى حماية ظهره في سوريا من خلال تنظيف خطوط إمداده وخلفيته في لبنان”، وأشارت المصادر إلى أن توسيع دائرة مشاركة حزب الله من القصير إلى مناطق أخرى في سوريا، بات يتطلب، “ضبط الساحة الداخلية وتطهيرها من الأعداء أو حلفائهم الذين يقاتلهم الحزب في سوريا”، وأحداث صيدا وطرابلس وعرسال والبقاع الأوسط تندرج ضمن هذا السياق”.

ورأت المصادر إن حزب الله أوقع الشيخ الأسير وأنصاره في صدام مع الجيش، وفق عمل استخباراتي يتطلب كشفه تحقيقاً دقيقاً وشفافاً، خاصة وان حزب الله يأبى من تطور مع ظاهرة الأسير، كما يخشى من التورط في صراع داخلي مذهبي مباشر (سني – شيعي)، وبالتالي فإن الإيقاع بين الجيش والشيخ الأسير، يحقق أهداف الحزب في تنظيف صيدا وتطهيرها من ظاهرة الأسير من جهة، وتحويل الصدام من (سني – شيعي)، إلى صدام من نوع آخر (الجيش والإرهاب السني الأصولي) والذي خاض الجيش معها معارك سابقة في الضنية ونهر البارد ومجدل عنجر، وبالتالي فإن هذا الصدام يستحوذ على تأييد دولي غربي، وعربي سعودي، وبالتالي غطاء سني معتدل في لبنان يوفره تيار المستقبل صاحب شعار لبنان أولاً، كما يدخل الطائفة السنية في أزمة داخلية وفي إرباك سياسي جديد، ما يوفر أيضا ضبط الساحات الأخرى المعارضة لتدخل حزب الله في سوريا.

المصادر ألمحت إلى أن حالة الانتشار الأمني لمقاتلي حزب الله وسرايا المقاومة، في صيدا وضواحيها قبل ساعات من مهاجمة الجيش لمنطقة عبرا، والمداهمات التي قام بها هذه المجموعات والحواجز التي اقامتها في بعض أحياء صيدا بعد وخلال المعارك، تشير الى أن تنسيقاً ما حصل بين مخابرات الجيش وهذه القوى، أساءت إلى الجيش وكشفت نوايا حزب الله وأثارت غضب أهالي وفعاليات صيدا، والتي عبر عنها في الصلاة الجماعية المشتركة، وفي الوثيقة التي قدمت الى رئيس الجمهورية.

المصادر أشارت إلى نقطة أخرى دفعت الجيش لحسم المعركة مباشرة دون إعطاء أي فرصة للتفاوض كما كان يحصل سابقاً وفي أحداث مماثلة، ترتبط بالحالة المعنوية للجيش، حيث أرهق في السنتين الماضيتين بفعل حالة الاستنزاف والتوتر الأمني والسياسي القائم، وفشل الجيش في بسط سلطته في عرسال وفي طرابلس، وفي عدم قدرته الرد على الانتهاكات السورية للحدود اللبنانية من فريقي الصراع، وعدم قدرته على ضبط تلك الحدود، ومنع تسلل المقاتلين إلى سوريا، ما وضع الجيش في حالة شبه انهيار معنوي، فكانت حادثة عبرا التي أوقعت ضابطا وعدد من العسكرين، فرصة متاحة للضرب بقوة من ولفت الأنظار البه وإلى ضرورة احترام موقعه ودوره، ورفع معنويات العسكريين وإعادة الاعتبار لهيبة المؤسسة العسكرية، في ظل غطاء دولي وعربي رافض لتمدد النيران السورية إلى لبنان، ومنع اندلاع الفتنة المذهبية فيه.

المصادر الأمنية خلصت إلى القول: “إن تلاقي هذه التقاطعات التي اودت بظاهرة الأسير، وضعت الجيش اللبناني وقيادته أمام تحد صعب، يتطلب منه التعامل بالمثل مع الظواهر الأمنية الاخرى، وأن يفرض سيطرته على المربعات الأمنية الأخرى، وأن يمنع التجاوزات الأمنية في كافة المناطق بالطريقة نفسها، وأن يفتح تحقيقاً نزيهاً وشفافاً في أحداث عبرا، وأن تعلن نتائج هذه التحقيقات أمام اللبنانيين، وأن تجيب قيادة الجيش بكل شفافية عن التساؤولات التي طرحت حول مشاركة فصائل عسكرية حزبية في صيدا، والى معاقبة المسؤولين عن هذه المشاركة لا بل توقيف المعتدين على الآمنين من أبناء صيدا، حرصاً على سمعة الجيش ومكانته وحياديته، ووطنيته، ومنع جره الى جانب فريق بوجه فريق آخر، أو تحويله إلى قوة ضاربة لمصلحة جهة سياسية إقليمية، ما يعيد إحياء النظام الامني الذي اوصل البلاد إلى أزمات سياسية وأمنية خطيرة في مراحل عديدة كان آخرها النظام الامني اللبناني – السوري الذي حكم لبنان في زمن الرئيس اميل لحود، ويدفع بالتالي إلى تكرار ظاهرة الأسير ونتشارها في مناطق عديدة من لبنان لا يمكن إنهائها، ما يؤدي أيضا، إلى رفع الغطاء السياسي عنه من فئة لبنانية أساسية، ويغرقه في حالة من الانقسام والتشرذم كتلك التي وقع بها إبان الحرب الأهلية، ما يحقق أهداف قوى الأمر الواقع في ضفتي الصراع، ويخدم مشاريعها التفتيتية.

اقرأ أيضاً بقلم فوزي أبوذياب

انتخاب رئيس الجمهورية مدخل لاي عملية اصلاحية

لبنان بين تحديات الداخل وتحولات الخارج

غياب “غريس” و”غاليانو” خسارة أخلاقية وفكرية

العالم العربي بين حربين دوليتين على الإرهاب

غزة تحت العدوان مجددا

هذا ما قاله راشد الغنوشي في “إخوان” مصر

جنيف 2 – التسوية المفقودة !

المعارضات السورية وتحدي (جنيف 2)

الاتفاق النووي الايراني ومفترق الحرب والسلم

لبنان بين سجال نصرالله-الحريري وجنيف 2

هل بات مؤتمر جنيف 2 المدخل الوحيد للحل؟

الحوار الإيراني مع الغرب بين تصعيد المرشد وانفتاح روحاني وتحدي الوقت

الضربة العسكرية المتوقعة على سوريا وتداعياتها

حراك دولي ناشط لمعاقبة النظام السوري على مجازر الكيماوي

تحول جذري في مسار الازمة السوري

ماذا بعد رسائل الليل الصاروخية… غير المنضبطة؟

تونس على حافة الهاوية… مجدداً!!

هل ينجح الجيش الحر في تعديل موازين القوى الاستراتيجية؟

لبنان أمام أزمة مفتوحة

هل دخل لبنان في جبهة الصراع الإقليمية؟