تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

د. ناصر زيدان

جولة الرئيس الصيني شي جين بينغ على السعودية ومصر وإيران كانت محط إهتمام واسع، فهي حملت مؤشرات على رغبة صينية بإعادة تفعيل دور بكين في الشرق الأوسط، ونقلت مِحفظة واسعة مليئة بالوعود الاستثمارية وعقود القروض المالية، كمدخل إلزامي لتحريك السياق العادي الذي تسير فيه العلاقات بين بلدان المنطقة والصين حالياً.

وتأتي جولة الرئيس الصيني في لحظة سياسية حساسة تمرُّ فيها منطقة الشرق الأوسط، وفي ظل أجواء غير مُريحة يعيشها العملاق الآسيوي. فالمنطقة العربية تشهد إضطرابات سياسية وأمنية في عدد من البلدان، لا سيما في سوريا واليمن والعراق وليبيا، كما أنها تعيش أجواء غير مُستقرَّة إقليمياً من جراء التدخلات الإيرانية في شؤون البلدان العربية والتي وصلت إلى حد إحراق السفارة السعودية في طهران.

والصين، من جهتها، تعاني من تراجع مستوى النمو الإقتصادي بشكل هائل، وهي تواجه تنامي التدخلات الأميركية المُتصاعدة في منطقة جنوب شرق آسيا، وتحاول مُتعبة تقييد الاندفاعة النووية الكورية الشمالية لكي لا تجرُّ العالم إلى مواجهاتٍ تُحرِج الصين أكثر من غيرها.

لاقى الرئيس شي جين بينغ ترحيباً حاراً في الرياض، وقد دشَّن في 20/1/2016 مع الملك سلمان بن عبد العزيز مصفاة النفط العملاقة “باسرف” التي أُنشئت غرب المملكة العربية السعودية على البحر الأحمر بتمويل سعودي – صيني مشترك، وإمتلكت شركة أرامكو السعودية 62,5 بالمئة من أسهمها، والحصة الباقية من نصيب شركة “ساينبوك” الصينية.

كما وقَّع الزعيمان مجموعة من العقود الاستثمارية الأُخرى في قطاعات النقل والخدمات والصناعة. وجاءت الزيارة الصينية في مكانها المناسب في سياق تطور التجاذبات الدولية في المنطقة، على إعتبار أن الحضور الصيني يُضفي بعض التوازن على مواقف الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لأن بكين تُمثِلُ شيئاً من الاعتدال الدولي المرغوب فيه.

أما في القاهرة التي وصلها الرئيس الصيني في 21/1/2016، فقد كانت حقيبة شي جين بينغ مليئة بالملفات ومسودات العقود. والتوافق السياسي حول بعض القضايا الدولية، وموضوع الحرص المٌشترك على الإستقرار في أفريقيا، لم يُخفِّف من الوهج الإقتصادي للمباحثات المصرية – الصينية، ذلك أن قيمة العقود التي وقَّع عليها الرئيسان عبد الفتاح السيسي وشي جين بينغ بلغت 15 مليار دولار وهي قروض وإستثمارات، شملت مجالات مُتعدِّدة، أهمها: إجراء توسيعات على قناة السويس، وإنشاء مشاريع صناعية مختلفة، وتطوير قطاع الكهرباء في مصر، إضافة إلى إتفاقيات في مجال الموصلات والبُنى التحتية والتعاون العسكري.

ومن القاهرة، أعلن الرئيس الصيني أن بلاده تنوي تقديم قروض وإستثمارات إلى بلدان الشرق الأوسط بقيمة 55 مليار دولار. في وقتٍ يعاني الإقتصاد الصيني من بعض الانكماش، والمنطقة تشهد إضطرابات سياسية غير معروفة النتائج.

زيارة الرئيس الصيني الشرق أوسطية شملت إيران، والبلدان يرتبطان بعلاقات تجارية قوية والتبادل بينهما يتجاوز 50 مليار دولار سنوياً.

الصين والشرق الاوسط

وبكين التي كانت شريكاً في الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع الدول الخمس + ألمانيا، لا يناسبها التوتر الذي تعيشه المنطقة، وهي بالمقابل حذِرة من تمادي الانفلاش الإيراني الذي تستفيد منه بعض المجموعات المتطرِفة في إقليم شينكيانغ وإقليم تركستان الشرقية الصينيين، والذين يقطن فيهما أغلبية إسلامية.

الاعتدال الذي تمارسه الصين في سياستها الشرق أوسطية يقع محل ترحيب الدول العربية، ولا يوجد في ملف العلاقات العربية – الصينية ما يمكن أن يحول دون تطوير هذه العلاقات. والرئيس شي جين بينغ أكد أمام مجلس المندوبين في جامعة الدول العربية في القاهرة على نية بلاده تطوير الصداقة مع الدول العربية، ولا يوجد في السياسة الخارجية لبلاده ما يمكن أن يُعيق تنامي الصداقة مع الدول العربية.

فالصين تعتمد سياسة عدم التدخُل في الشؤون الداخلية للدول، وتُدين الارهاب بكل أشكاله، وتدافع بقوة عن حق تقرير المصير للشعوب، خصوصاً الشعب الفلسطيني، وهي ساندت نضاله عبر السنوات الطويلة الماضية، وما زالت تُسانده في المحافل الدولية، وتُدين ما يتعرض له من إضطهاد.

مما لا شك فيه أن الاستدارة الصينية نحو الشرق الأوسط بعد إغفالٍ نسبي لهذه المنطقة، تقِفُ خلفه حساباتٍ جيو-إقتصادية، وجيوسياسية في آن. فتدني أسعار النفط سيؤخِّر الاندفاعة الصينية نحو الاستثمارات في قطاع النفط والغاز في بعض الدول الإفريقية البعيدة.

كما أن الهجوم الدبلوماسي الأميركي نحو شرق آسيا يطال المصالح الصينية، ولا بد لبكين من الرد عليه على مستوى تطوير دينامية دبلوماسيتها الخارجية، لا سيما في الشرق الاوسط. وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني يحتاج إلى فتح آفاق جديدة وأسواق أوسع أمام المُنتجات الصينية.

وما يؤكد على النوايا الصينية بتعزيز العلاقات مع المنطقة العربية، المؤتمر الذي نظمته مجموعة من رجال الأعمال الصينيين – الذين يتمتع بعضهم بمكانة رسمية – مع رجال أعمال لبنانيين في مدينة جبيل اللبنانية في 20/1/2016، وخلُصَ إلى الإتفاق على توصية تدعو إلى إنشاء مركز للمناقصات الصينية في بيروت، تشمل صلاحياته توقيع العقود التجارية والاستثمارية مع الشركات العربية كافة، ويكون وسيطاً يتمتع بثقة الطرفين، ويُسهل مهمة رجال الأعمال.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان

لماذا تحدث البابا فرنسيس عن “مناخ الحرب” في العالم؟