مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

د. ناصر زيدان

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لصحيفة “بيلدا” الألمانية أن صعوبات كبيرة تواجه بلاده، خصوصاً المُتأتية عن الملف الأوكراني وما نتج عنه من عقوبات فرضها الغرب على بلاده بعد ضمّ جزيرة القرم في حزيران 2014، وقد زادت الصعوبات من جراء إنخفاض أسعار النفط وتدهور سعر صرف الروبل الذي وصل إلى 84 مقابل الدولار الاميركي الواحد، ومن تفاعلات التجاذبات الدولية حول أحداث الشرق الاوسط وتطورات اقصى شرق آسيا.

أما رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف، فقد طلب من الدوائر الحكومية خفض الإنفاق العام بنسبة 10 بالمئة، كي لا تتعرَّض البلاد إلى أزمة مالية تُشبه ما حدث في روسيا في العام 1998، حيث إمتنعت الدولة عن سدادِ ديونها، وعاشت مرحلة افلاس حقيقية.

في الشهر الأخير من العام 2015 إضطرَّت الخزينة الروسية إلى إستعمال  9,4 مليار دولار أميركي من صندوق الاحتياط النقدي للدولة الذي يحتفظ بما يقارب 50 مليار دولار من العملات النقدية الأجنبية، وهذا الاحتياط لا يُعتبر عالياً بالنسبة لدولة عظمى بحجم روسيا.

روبل الروسي

كما أن تراجع نمو الناتج المحلي سجل – 2,6 بالمئة في العام 2015، مما حدا بالرئيس بوتين إلى تحديد سقف للتراجُع في 2016 لا يزيد عن – 3 بالمئة.

وزير المالية الروسي أنتون سيلوانوف حذَّر هو أيضاً من مخاطر تنامي العجز في الموازنة العامة إذا إستمر الوضع على ما هو عليه، مما قد يؤدي إلى تفاقُم التضخُم، وبالتالي يدفع المواطنون من دخلهِم ثمن الازمة.

تعمل الحكومة الروسية بوتيرة عالية على تخطي الصعوبات، من خلال تفعيل الدور الديبلوماسي مع الخارج بهدف وضع سقف لتراجع أسعار النفط، لأن واردات الموازنة الروسية للعام 2016 لحظت سعر 50 دولار للبرميل، وإستمرار الانخفاض بالاسعار قد يقلُب كل التوقعات.

ومن الإجراءات الروسية المُرتقبة نية جدية لدى الحكومة في عرض بيع جزء من ممتلكات الحكومة، من خلال برنامج خصخصة يطال بعض المرافق العامة.
والصعوبات السياسية التي تواجه الحكومة الروسية لا تقلُّ شأناً عن الصعوبات الإقتصادية، ذلك أن الاستنزاف الناتج عن تفاقُم الازمة الأوكرانية ما زال قائماً، والرئيس الأوكراني بترو يورشنكو قال إن كييف ستُستعيد السيطرة على شرق البلاد في العام 2016، وبالتالي تحرير منطقتي دونتيسك ولوفانسك اللتين أقامتا حكماً ذاتياً موالياً لروسيا. وهذا بطبيعة الحال يفرض تحدياً جديداً – دبلوماسياً وعسكرياً – أمام موسكو.

فالازمة الأوكرانية إستولدت لروسيا مجموعة من المتاعب، أهمها العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وقد جدد الاتحاد أمد العقوبات ستة أشهر تنتهي في نهاية حزيران 2016. ويرافق هذه العقوبات شكل من أشكال العُزلة السياسية يفرضها الفريقان على روسيا، بحجة عدم الالتزام بطبيق ما نصَّت عليه إتفاقية مينسك لتحقيق السلام في أوكرانيا.

وتواجه الدبلوماسية الروسية صعوبات ناتجة عن تمايُز موقفها مع الأطراف الغربيين، ومع مجموعة من الدول الإقليمية من الأزمة السورية، لا سيما من جراء تدخلها العسكري هناك. ويترافق هذا الأمر مع مرحلة تطبيق الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 ، وبالتالي فإن موسكو ليس بإمكانها الإعتماد كثيراً على الدعم الإيراني، لأن طهران تتطلع بشغف لتطبيق الاتفاق لتحصيل مبالغ مالية طائلة كانت الدول الغربية قد إحتجزتها قبل توقيع الاتفاق. وطهران هي الأُخرى تعاني من أزمة إقتصادية كبيرة.

فلاديمير-بوتين

امَّا التحدي الآخر الذي يواجه الدبلوماسية الروسية فهو تفاقُم الأوضاع في الشرق الأقصى. فالولايات المُتحدة الاميركية إستدارت نحو المنطقة بهدف تعزيز نفوذها. وهذا النفوذ سيكون بطبيعة الحال على حساب الدور الروسي، وبدرجة أكبر على حساب دور الصين حليفة روسيا على الساحة الدولية. والخوف قائم من عدم قدرة الحليفين الآسيويَين على تحقيق توازن سياسي وإقتصادي مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، خصوصاً أن صندوق التنمية الذي شرعَ الحلفاء الآسيويون على إنشائه في موازاة صندوق النقد الدولي يواجه صعوبات مالية ناتجة بالدرجة الأولى عن المتاعِب النقدية التي تواجهها موسكو، وعلى مستوى أقل بكين.

ولا يبدو أن روسيا مُغتبِطة إلى حدودٍ بعيدة بالتصعيد الكوري الشمالي الجديد الناتج عن إجراء تجربة تفجير قُنبُلة هيدروجينية. فموسكو إذا كانت ترتبِط بعلاقات مُميزة مع بيونغ يانغ، لا يعني أنها تريد لكوريا الشمالية أن تتحلَّل من الضوابط، أو أن تملك فائض من القوة قد يؤدي في أية لحظة إلى خلق صعوبات كبيرة، أو إلى تفلُّت نووي يهدِّد الامن العالمي برُمته.

يصعُب على موسكو الدخول في حرب دولية باردة في الوقت الراهن. فإذا كان لها بعض نقاط القوة التي يمكن أن تستثمرها في مواجهة بعض الضياع الذي تعيشه الدبلوماسية الاميركية، لكن مجموعة كبيرة من نقاط الضعف يمكن أن لا تعمل في صالحها، ومن أهم نقاط الضعف هذه الصعوبات الإقتصادية.

فمثل هذه الصعوبات كانت سبب الانهيار الذي حدث في موسكو قبل العام 1990 من جراء سباق حرب النجوم الذي أطلقه الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان في مواجهة الاتحاد السوفياتي السابق.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان

لماذا تحدث البابا فرنسيس عن “مناخ الحرب” في العالم؟