ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

د. ناصر زيدان

يقول الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني في مذكراته: “حاولت في بداية تسلُّمي مهام الرئاسة ان اقف على رأي الدول الكبرى في المنطقة، فذهبت الى طهران في 2006/11/28 قبل زيارتي للولايات المتحدة الاميركية لإستشراف الموقف الايراني، فقابلت المُرشد الاعلى للثورة السيد علي خامنئي بحضور الرئيس احمدي نجاد؛ وفوجئت عندما قال لي خامنئي: ان ايران مُستعدة للإنفتاح على واشنطن، شرط ألا تحاول الولايات المتحدة الاميركية اسقاط النظام الذي انتجته ثورة الامام الخميني في العام “1978.

منذ ارساء نظام ولاية الفقيه الذي وُلد مع الثورة الايرانية، يحاول القادة الايرانيون الإيحاء للخارج، ولجمهور الداخل ان الجمهورية الاسلامية ليست دولة فقط، بل “رسالة أُنيط بها استنهاض الامة الاسلامية في مواجهة الطاوغيت وشياطين الاستكبار والهيمنة”.

على الدوام، كان قادة الجمهورية الاسلامية الايرانية – لا سيما المُحيطين بالمُرشد – يحملون الشعارات التبشيرية، ويحاولون تصدير الثورة “الاسلامية” الى الخارج، كونها مُهمّة دينية أُسندت اليهم بدافع الهي (على ما يعتقدون) وهذه المُهمة تسمو على اية اولويات أُخرى. وانتهى الامر بهذه المُقاربة الى تحديد نتائج لا تُشبه ابدا الطموحات المُعلنة، حيث ساهمت سياستهم في تقسيم العالم الاسلامي، وإنتاج “حرب اهلية اسلامية – اسلامية او سنية – شيعية” اعادت الاسلام قروناً الى الوراء، ولم تتوضَّح نهاية هذه المرحلة المأساوية حتى اليوم.

في الانتفاضة الشعبية الايرانية التي واجهت النظام عام 2009 – وقضى عليها الحرس الثوري بالقوة – خرجت الى المسرح مشاهد جديدة، تؤكِّد ان الاولوية عند قادة نهج ولاية الفقيه، هي: المحافظة على النظام، وتسخير الامكانيات الداخلية، والعلاقات الخارجية، من اجل استمرار تكريس بقاء سيطرة الحرس الثوري، ومؤسسات المُرشِد على مفاصل الدولة.

iran-khamenei-generals

التيار الاصلاحي في ايران مُتنامي جداً، وهو اوصل رئيسين للبلاد خلال الحقبة القصيرة الماضية، عنيت الرئيس محمد خاتمي (الموجود في الإقامة الجبرية) والرئيس الحالي حسن روحاني، ولكن الرئيسان لم يستطيعا التفلُّت من القبضة التي يفرضها مؤيدو المُرشد الاعلى على مفاصل الدولة العليا، وبالتالي فقد بدى ان قرارات “هيئة تشخيص مصلحة النظام” لها اليد العُليا في توجيه الامور، وللتيارات الاصلاحية مساحة حراك ضمن هذا السقف، لايمكن تجاوزه، بصرف النظر عن الاداء الديمقراطي المعقول الذي يُنتج اداوات الحكم؛ كرئاسة الدولة واعضاء البرلمان (مجلس الشورى).

الرئيس الاميركي باراك اوباما صمَّم في العام 2013 على اختراق المتاريس المُحصَّنة، وتفكيك كل معالم الحرب الباردة، وقد وضع امام عينيه تغيير صورة العداء المُتجذِّرة بين الولايات المتحدة الاميركية وكل من: الفيتنام وكوبا وايران، وقد نجح اولاً مع فيتنام، عندما طمأن قادتها؛ بأنه لا يرغب في تغيير النظام الشيوعي الذي وُلِد مع تحرير البلاد، ورأى اوباما في هذه المُقاربة خارطة طريق يمكن سلوكها مع هافانا وطهران، وبالفعل فقد نجح في إزالة العداء الاميركي – الكوبي، وها هو يُحقق اكثر من نصف نجاح في ازالة العداء الاميركي – الايراني، ذلك عندما طمأن حكام الدولتين؛ انه لا يريد تغيير النظام فيهما.

الاتفاق النووي الذي وقعت عليه طهران مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي + المانيا، اعتبرته الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها الاوروبيين انتصاراً، كونه عائق قاطع امام محاولة طهران انتاج قنبلة نووية خلال العشر سنوات القادمة، بينما اعتبرته ايران، وكُل من يدور في فلكها السياسي والاعلامي؛ هزيمةً للمشروع الاميركي.

شعار محاربة اميركا – او إلحاق الهزيمة بها – يحتاجه قادة الثورة الخمينية في طهران. فالرواج الدعائي لهذه الشعارات عند الشارع الايراني فيه شيء واسع من الجاذبية، وهذه الشعارات قابلة للإستهلاك المحلي على الدوام، لكون واشنطن كانت الداعم الاكبر للشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، وهي تدعم ” اسرائيل ” التي يكرهها الشارع الاسلامي الايراني، بصرف النظر عن تقاطع المصالح الواسعة، وغير مباشرة، بين النظام الايراني و”اسرائيل” لاسيما في الاحداث المأساوية التي تجري في سوريا والعراق وسيناء.

المُرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامنئي؛ سارع في خطبة عيد الفطر في طهران الى الاعلان: “ان ايران لن تتصالح مع اميركا برُغم توقيع الاتفاق النووي” وراء هذا الموقف الايراني المُتقدِّم، وجود مصلحة اكيدة للنظام الذي يستفيد من هذه العناوين و”مصلحة النظام لها الاسبقية على مصلحة الدولة”، لأن المكاسب الاقتصادية التي ستحصل عليها ايران من جراء سريان مفعول الاتفاق كبيرة جداً، لا سيما استعادة ما يزيد عن 120 مليار دولار مُجمَّدة في المصارف الغربية، وكذلك اعادة تصدير المُنتجات النفطية الايراني الى الاسواق الدولية بالوتيرة القانونية المُعتادة، إضافة لتجديد اسطول ايران الجوي المدني المُتآكل، واستيراد الاسلحة (لاحقاً) وقطع الغيار لمحطات استخراج النفط والغاز.

لا يمكن التقليل من الاخطار التي تواجه النظام في ايران. فلا يوجد اتفاق على بديل للمُرشد حتى الآن. والبرجوازية الايرانية العريقة ستحاول الاستفادة الى الحد الاقصى من الرخاء الاقتصادي والمالي المُتأتي عن رفع الحصار الدولي عن طهران، وهذه البرجوازية لها طموحاتها السياسية، وهي التي تقف خلف فوز الاصلاحيين في الانتخابات. كما ان الاقليات العرقية (غير الفارسية) والمذهبية (السنة) ستطالب بالحد من الهيمنة الفارسية – الشيعية.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان

لماذا تحدث البابا فرنسيس عن “مناخ الحرب” في العالم؟