عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة
د. ناصر زيدان
4 أغسطس 2015
الجريمة النكراء التي إرتكبتها عصابات المستوطنين ضد عائلة الدواشنة الفلسطينية في قرية دوما جنوب نابلس فجر يوم الجمعة في 31/7/2015، ونتج عنها إستشهاد الطفل علي الدواشنة حرقاً، هزَّت المشاعر الإنسانية وولَّدت موجة إستنكار عارمة، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، وعلى المستوى العربي والدولي، وقد أصدر مجلس الأمن الدولي بيان إستنكار للجريمة، معتبراً انها تمسُّ الإنسانية جمعاء.
عصابات المستوطنين “اليهود” الذين أقدموا على مهاجمة منازل دوما وإحراقها، يحظون بتغطية من سلطات الإحتلال، ومدعومين من هذه السلطات. وما إستنكار رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو لفعلتهم إلا ذرّ للرماد في العيون، ذلك أن إنتقال هؤلاء في الظلام من مستوطناتهم إلى القرى الفلسطينية، لا يمكن أن يحصل بدون معرفة قوات الإحتلال. وجرائم هؤلاء تكررت عشر مرات في شهر تموز/يوليو من دون محاسبة. وسبق ذلك جرائم ذهبت من دون عقاب إرتكبتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين، منها على سبيل المثال.ضد الفتى زكريا جولاني الذي فقد عينيه، ودهس الفتى إيناس شوكت بالسيارة، وإحراق الفتى إيمان حجو خلال إنتفاضة الأقصى، وسبق ذلك قتل الشاب محمد الدرة بالرصاص الحي أمام أعيُن كميرات التصوير من مختلف أنحاء العالم.
إتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، تحدثت عن مسؤولية سلطات الإحتلال عن أمن المدنيين، بما في ذلك منع أي تعرُّض لهم. وهذه المسؤولية تفرض تغريم جنائي لقادة قوات الإحتلال وجنودهم، الذين لا يمكن لهم وفقاً لأحكام بنود الاتفاقية الدولية التحلُّل من المسؤولية. كما أن الجرائم المُنظمة التي يرتكبها المستوطنون المحميون من سلطات الإحتلال، تُعتبر جرائم حرب، وجرائم عدوان، لكونها تستهدف مجموعات أصلية من السكان المدنيين، على أساس إنتمائهم الديني، أو القومي، بهدف إقتلاعهم من أرضهم.
في سياق إستنكاره لجريمة حرق الرضيع علي الدواشنة هدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس باللجوء لمحكمة الجنايات الدولية الدائمة في لاهاي، للإقتصاص من القتلة، وبالتالي محاكمة قادة العدو “الإسرائيلي” بسبب حمايتهم لعصابات القتل الصهيونية، ولتخليهم عن المسؤولية الدولية التي تفرض عليهم حماية المواطنيين العُزَّل الواقعين تحت الإحتلال.
السلطة الفلسطينية أصبحت منذ 15 /1/2015 عضواً في “إعلان روما للعام 1998” الذي إنبثقت عنه المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي أصبح للحكومة الفلسطينية الحق بالإدعاء أمام المحكمة، على إعتبار أن نظام المحكمة لا يقبل الإدعاء إلا من دولة عضو، أو من قبل مجلس الأمن الدولي، أو المدعي العام لدى المحكمة، والمجلس والمدعي العام، لم يقوما بواجباتهما قبل يناير 2015، ولم يحيلا أي من الجرائم الدولية التي إرتكبتها قوات الإحتلال “الإسرائيلي” بحق الفلسطينيين، بسبب التهديد بالفيتو الأميركي في مجلس الأمن، وبسبب الضغوطات الدولية على مُدعي عام المحكمة. وقد إكتفى مجلس الأمن الدولي بتشكيل لجنة تحقيق في الجرائم التي إرتُكبت في مخيم جينين عام 2001، وفي الجرائم التي وقعت في قطاع غزة عام 2009، من دون أن يكون لتقارير هذه اللجان التي أدانت جيش الإحتلال، أية تأثيرات فعلية، وكانت عبارة عن توصيات أدبية، لا تكترث لها “إسرائيل”.
بصرف النظر عن قدرة المحكمة الجنائية الدولية على تنفيذ أحكامها التي قد تطال قادة العدو “الإسرائيلي” من جراء مسؤوليتهم عن الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، إلا أن دور الأحكام القضائية شيء، وإصدار بيانات الإدانة شيءٌ آخر.
طالما أن المسؤولية الجزائية على قادة العدو ثابتة، ذلك يعني أن صدور الأحكام القضائية الدولية، بحق هؤلاء سيُربِك حركة تنقلاتهم الدولية على أقل تقدير، لأن سلطات الدول الأعضاء في معاهدة روما للعام 1998، مُلزمة بتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الدولية، وبالتالي توقيف الأشخاص المطلوبين للمحكمة، مهما كان موقعهم الوظيفي في دولهم، بما في ذلك رؤساء الدول، حيث أن المحكمة الدولية لا تتقيِّد بأي حصانة، يمكن أن تمنحها السلطات المحلية لقادتها.
الرأي العام العربي، وبعض الرأي العام في العالم يرى أنه حان الوقت لوضع حد لتفلُّت مُجرمي الحروب من العقاب. ولا يمكن لهؤلاء المُجرمين الاعتداد بالارتكابات الخطيرة التي تقوم بها بعض المنظمات الإرهابية والقوات النظامية في كل من العراق وسوريا على وجه التحديد؛ لأن الحساب لا بد أن يأتي لهؤلاء، برُغم غياب الجهة التي قد تدَّعي عليهم أمام المحكمة الدولية، لكون الحكومتين في كل من سوريا والعراق ليسا اعضاء في المحكمة، ولكون مجلس الأمن الدولي إمتنع عن إحالة جرائم الحرب والابادة التي تقع في سوريا أمام المحكمة، بسبب الفيتو الروسي.
إن جريمة الحرق التي تعرَّض لها الطفل دواشنة في دوما النابلسية، إدانة واضحة لقادة “إسرائيل” ولأفراد عصابات المستوطنين المحميين من قوات الإحتلال. وهي جريمة ضد الإنسانية جمعاء، تمَّ تنفيذها بدمٍ بارد، وفي تحدٍ واضح للشرعية الدولية، ولأحكام القانون الدولي العام. وقادةُ “إسرائيل” المُجرمين، ليسوا أفضل من الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، الذي توفيَ في سجون لاهاي، ويستحقون ذات المصير الذي يُلاقيه الرئيس الليبيري الأسبق شارل تايلر خلف قضبان المحكمة الدولية.