هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

د. ناصر زيدان

بنيامين نتنياهو رئيس وزراء ” اسرائيل ” ارهابي ومجرم حرب، مطلوب للعدالة، ويجب توقيفه وتقديمه للمحاكمة. تلك كانت العبارات التي استخدمها البيان الذي وقَّع عليه اكثر من 40 الف بريطاني. والتواقيع على البيان – الذي سيقدَّم لمجلس العموم – ما زالت في طور الازدياد، وهي مُرشحة لتجاوز ال 100 الف توقيع، وبالتالي، يمكن طرح الامر على جلسة عامة للسلطة التشريعية البريطانية، التي تُعتبر أُمُ السلطات.

نتنياهو الذي دُعيَ لزيارة لندن في ايلول/ سبتمبر 2015 لمناقشة تطورات الاوضاع في الشرق الاوسط على ضوء الاتفاق النووي الذي وقعته مجموعة الدول الخمس الكبرى + المانيا مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، يعترض على الاتفاق، وكان يرغب بتدمير المنشآت النووية الايرانية عن طريق استخدام القوة العسكرية. بينما كيانه الغاصب لأرض فلسطين، يملك ترسانة نووية متطورة، ومنها رؤوس مُدمرة، قادرة على الانطلاق الى اي هدف مجاور من البر والجو والبحر، مثلها مثل اي من الدول الكبرى. وهذا الكيان الغاصب يُشكِلُ تهديداً شاملاً، ليس للعالمين العربي والاسلامي فقط، بل للبشرية جمعاء.

العريضة الشعبية البريطانية التي تُطالب بإعتقال نتنياهو، تستند الى وقائع دامغة تؤكد ارتكاب نتنياهو لجرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، وانتهاك للقانون الدولي الانساني الذي نصَّت عليه اتفاقيات جنيف الاربعة للعام 1949، وملحقاتها التي أُضيفت اليها في العام 1977، وهذه الاتفاقيات والملاحق، وضعت قيودا صارمة على قوات الاحتلال، بما في ذلك المسؤولية الجنائية التي يتحملها قادة جيوش الاحتلال عن الانتهاكات التي تطال المدنيين والاماكن الآهلة، وحمَّلتهم مسؤولية حماية الاحياء السكنية، وتأمين وصول الغذاء والدواء والمياه للمواطنين الواقعين تحت الاحتلال، وينطبق واقع الاحتلال على غزة الفلسطينية المُحاصرة ومحيطها.

استندت الوثيقة البريطانية في ادانة نتنياهو على تقرير لجنة التحقيق التي شكلتها الامم المتحدة للنظر في ارتكابات العدوان على غزة في صيف العام 2014، وقد اسفر العدوان “الاسرائيلي” الذي استمرَّ 50 يوماً عن سقوط 2200 شهيدا وما يقارب 11 الف جريح، مُعظمهم من المدنيين الفلسطينيين، لاسيما الاطفال والنساء والشيوخ العُزَّل، بينما سقط في الجانب ” الاسرائيلي ” 27 قتيلا اغلبيتهم من جنود جيش الاحتلال، ومن عصاب المستوطنين المُسلحين. وقد جمعت اللجنة 500 شهادة مكتوبة، و280 شهادة مصورة بالفيديو عن الجرائم المُرتكبة في غزة إبان مرحلة العدوان.

رئيسة لجنة التحقيق الدولية بجرائم حرب 2014  القاضية الاميركية ماري ماكفوان قالت: “ان مدى الدمار الذي شاهدته في غزة، وهول المعاناة الانسانية التي يتخبط فيها السكان من جراء الاعمال الحربية، غير مسبوقَين، وسيؤثران على الاجيال القادمة”.

441

بنيامين نتنياهو مسؤول عن ارتكاب هذه الجرائم شخصياً، كونه رئيس الوزراء الذي يعود له اصدار اوامر لقادة جيش الاحتلال بإستخدام القوة العسكرية. والمادة 13 من اتفاقية روما للعام 1998  – التي أُنشئت بموجبها محكمة الجنايات الدولية – رفضت اعطاء حصانة لرؤساء الدول عند ارتكاب جرائم دولية، على اعتبار ان الحصانة للمسؤولين في القوانيين المحلية للدول، لا يمكن ان تشمل حصانة على جرائم لها طابع دولي، اي لها ارتدادات خارج الحدود، او انها تُشكِّل تهديداً للأمن العالمي، وتلك بطبيعة الحال ليست من مهام القوانيين الداخلية للدول، بل هي مسؤولية دولية، تُنظمها المعاهدات. ونتنياهو في فعلته الشنيعة في غزة، انما ارتكب جرائم دولية موصوفة، وموثقة، وبالتالي لا يمكن له الاعتداد بالحصانة التي تمنحه اياها القوانين “الاسرائيلية” كونه رئيس للحكومة.

والقوانيين البريطانية لا تلحظ اية مواد مكتوبة تُشير الى حصانة لرؤساء الدول، او الى اي من المسؤولين. وهذه القوانين التي تعتمد على نهج “وحدة المحاكم” – اي انها لا تفصل بين المحاكم الادارية والمدنية والجنائية – لديها صلاحية واضحة في محاكمة مُجرمي الحرب، اذا ما تواجدوا على الاراضي البريطانية، بصرف النظر عن مكان وقوع الجريمة.

سبق للقضاء البريطاني ان اصدر مذكرات توقيف بحق مسؤولين من دول مُختلفة، على خلفية ارتكاب هؤلاء جرائم دولية، منها مذكرة القاء قبض على وزير الدفاع “الاسرائيلي” ايهود بارك، بعد ان ادعت عليه جمعيات حقوق الانسان في بريطانيا، بتهمة ارتكاب جرائم حرب دولية، اثناء العدوان الذي نفذته قواته ضد قطاع غزة في مطلع العام 2009. كان باراك يتواجد على الاراضي البريطانية، وذهبت الشرطة لإلقاء القبض عليه، ولكن وزارة الخارجية البريطانية تدخلت في اللحظة الاخيرة، وطعنت بمذكرة القاء القبض، مُستندةً على المعاهدة الدولية الصادرة عام 1963، والتي تنص على حصانات لأفراد البعثات الدبلوماسية. وباراك كان يحمل جواز سفر دبلوماسي، وبالتالي فقد نَفَذَ من امر التوقيف، على خلفيات سياسية غير مُقنعة.

قادة “اسرائيل” بدأوا يتهيبون الموقف منذ ان اصبحت فلسطين عضواً في المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في مطلع العام 2015. فالجرائم التي ارتكبها، ويرتكبها، هؤلاء ضد الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية الأُخرى، لا تُعدُّ ولا تحصى، منذ مجزرة دير ياسين مروراً بصبرا وشاتيلا وصولاً الى حرق الطفل علي الدوابشة جنوب نابلس.

فهل يُقدِم القضاء البريطاني على اعتقال نتنياهو، وبالتالي يمحي جزءاً من عار وعد بلفور؟

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان

لماذا تحدث البابا فرنسيس عن “مناخ الحرب” في العالم؟