تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية
د. ناصر زيدان
13 سبتمبر 2015
عندما صوَّت المندوب الروسي في مجلس الأمن لصالح القرار رقم 2235 في 7/8/2015، تكونت لدى الحاضرين، ولدى المراقبين السياسيين أيضاً، انطباعات بأن هذا التصويت قد يكون مؤشراٌ على بدء تخلِّي موسكو عن النظام الذي حمته منذ العام 2011 في سوريا، أو أن الأمر مقدمة لتحوُّل قد يقود إلى إعتماد مقاربات جديدة، يستفيد منها المفاوضون الذين يعملون على إيجاد حل سلمي للأزمة السورية، بما فيهم مندوب الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان ديمستورا، والمفاوض الروسي ميخائيل بوغدانوف.
القرار 2235 طالب بإجراء تحقيقات موسعة حول إستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وأدان القائمين بهذا العمل، ومَن يقف وراءهم، وطالب بإنزال أشدّ العقوبات الجزائية بحقهم. ولجنة التحقيق التابعة لمفوضية حقوق الإنسان، كانت قد أكدت على إستخدام قوات النظام في سوريا للأسلحة الكيميائية، وربما إستخدمتها أيضاً منظمات إرهابية مُتطرفة.
في 2/أيلول/ 2015 قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الرئيس السوري بشار الأسد جاهز لمشاركة المعارضة في حكم سوريا وإنهاء الأزمة، وجيش النظام هو الوحيد المؤهل للوقوف بوجه الإرهاب.
لاحقاً تطور الموقف الروسي بشكل لم يعُد بالإمكان مواكبته من قبل المراقبين. فقد تداولت وسائل الإعلام معلومات عن إرسال موسكو قوات عسكرية إلى سوريا لمساندة الأسد، بالبحر وعن طريق الجو، مما حدا ببلغاريا الإعلان عن عدم السماح لمرور طائرات روسية في أجوائها، تحمل مساعدات عسكرية لسوريا، تنفيذاً لقرار صادر عن مجلس الأمن. وردت موسكو بطلب تفسيرات عن موقف الحكومة البلغارية.
إعترفت موسكو أن لديها خبراء روس في سوريا، يساعدون القوات النظامية على إستخدام الأسلحة الجديدة التي أرسلتها لسوريا، ويبدو أن هذه الأسلحة متطورة، وهناك معلومات عن البدء ببناء مُدرَّج للطائرات العملاقة في مطار حميميم في اللاذقية.
وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف أن الأمر ليس سراً، وموسكو تزود سوريا علناً بالأسلحة منذ زمنٍ بعيد.
في الاعتبارات الدبلوماسية روسيا بيَّنت بذلك جهاراً أنها ليست وسيطاً في الملف السوري، كما كانت قد أعلنت أمام وفدي المعارضة اللذين زاراها في 24/8/2015، مما أثار تساؤلات عن مُستجدات طرأت على الموقف الروسي، وقد تكون موسكو تخلَّت نهائياً عن الوقوف في مساحة الاعتدال القريبة من النظام، وبدأت الوقوف في ساحة المعركة إلى جانب النظام.
أسئلة مُتعددة تطرحها المواقف الروسية الجديدة في هذا التوقيت بالذات. ولماذا تطور الموقف الروسي في الإتجاه الذي يسلكه اليوم؟ وهل هناك مُعطيات دولية أو إقليمية فرضت هذه المقاربة؟ علماً أن الانطباعات التي خرج بها زوار موسكو العرب الشهر الماضي، أكدت على وجود مرونة روسية تجاه إعادة إعتماد مبادىء إتفاق جنيف الأول للعام 2012، كقاعدة لحل الأزمة السورية، وجوهر هذه المبادىء إبعاد الأسد عن المفاصل الأساسية للسلطة.
ومما يُثير التساؤلات أيضاً هذه الاندفاعة الروسية بإتجاه تشكيل حلف دولي لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق، وطلب إشراك الأسد في هذا الحلف. وموسكو تعرف أن هذا الأمر مستحيل واقعياً، لوجود معارضة عربية عارمة لهذه المشاركة، ونظراً للشكوك القائمة حول تعاون غير مُعلن بين قوات النظام وداعش في بعض المواقع.
هل هناك معطيات مُستجدَّة تقف وراء الحسابات الروسية الجديدة؟ أم أن الأمر مُجرد مناورة لتحريك الجمود الذي أصاب الملف الأوكراني، أو بدافع إنتاج مُعطيات جديدة قد تدفع أسعار النفط إلى الارتفاع؟ ذلك أن إستمرار الأزمة الأوكرانية يستنزف الدبلوماسية الروسية، والاستقرار السلبي لتدني أسعار النفط، يستنزف بالمقابل الإقتصاد الروسي.
الاندفاعة البوتينية الجديدة، تبدو واثقة من نفسها، ولو لم يكُن ذلك صحيحاً لكانت حكماً إعتبارات المُغامرة تغلُب على مواقف بوتين، أكثر من إعتبارات الحِكمة، أو الواقعية. والرئيس بوتين معروف بسِماته البرغماتية التي تعتمد على الانتفاع السياسي والاقتصادي في اي من مواقفه، أكثر من إعتمادها على المبادىء التي تُستهلَك مع الزمن.
أمَّا إذا كانت المواقف الروسية تهدف إلى تعزيز الشروط أمام مؤتمر مكافحة الإرهاب الذي سيُعقد على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي الخروج من العزلة التي فرضت على موسكو بُعِيد ضمها لجزيرة القُرم في ربيع 2014، فمن غير المؤكد أن العروض الروسية ستلاقي رواجاً في الأروقة الأميركية، ولدى الدول الأوروبية الفاعلة، لأن هؤلاء لا يبدون على عجلةٍ من أمرهم في الموضوع السوري، وقد أعلنت كل من هذه الدول عن برنامج لإستقبال لاجئين، بعد أن هزَّت مشاعر الرأي العام مشاهد الطفل السوري إيلان، ميتاً على شواطىء البحر في تركيا، وتلك إشارة واضحة أنهم لا ينتظرون حلاً قريباً للمأساة السورية.
وتتمدّد التساؤلات حول الموقف الروسي الجديد، لتصل إلى الافتراض أن الإعلان عن الخطوات العسكرية الجديدة مرتبطة بمعلومات عن حال من التراجًع تُصيب بعض قطاعات الجيش السوري، لا سيما بعد التطورات التي حصلت في محافظة السويداء بعد الإنفجار الذي إستهدف الشيخ وحيد بلعوس، كذلك الأمر بعد ما حصل في محافظة إدلب، حيث إستولى المعارضون على مطار أبو الظهور العسكري الإستراتيجي، والاستنزاف في معركة الزبداني.
على أمل أن تتوضح المواقف الروسية الجديدة، يدفع السوريون ثمناً غالياً للتجاذبات الدولية.