كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

د. ناصر زيدان

حادث إسقاط المقاتلات التركية لطائرة السوخوي الروسية في 24/11/2015 يُعتبر من الاحداث الغالية الكلفة على المستوى الاقتصادي، إضافة إلى تداعياته السياسية الكبيرة؛ ناهيك عن اخطارهِ العسكرية التي قد تتفاقم اكثر فأكثر، وقد يجرُّ بعض الانفعال عند الروس؛ البلدين والمنطقة الى احداث كبيرة، يتفاعل عنها تداعيات كبيرة.

اياً كانت الاعتبارات التي أملت على تركيا اتخاذ قرار اسقاط الطائرة، فإن الحسابات الاستراتيجية، والواقعية، تُصنِّف الامر على انه ردةُ فعلٍ مبالغٌ فيها، ذلك ان الاسباب التي تحدثت عنها انقرة؛ في خرق اجوائها لمدة 17 ثانية، لا تكفي لتغطية قرار على هذا المستوى الكبير من الخطورة.

مهما يكُن من أمر؛ فلا أحد من القوى الاقليمية، او الدولية، يرغب بتصاعُد الموقف، لأن الوتيرة العالية التي سارت عليها ردة الفعل الروسية بعد الحادث، كادت تُهدِد الاستقرار العالمي برُمته، وليس استقرار المنطقة فقط، إلا ان الموضوع على المستوى العسكري عاد الى سياق التوتر العادي، لكن تفاعلاته السياسية والاقتصادية ما زالت تتفاقم.

ما برز حتى الآن من جراء ردة الفعل الروسية، يبدو كبيراً في نتائجه – لا سيما الاقتصادية – فالمراسيم التي وقعها الرئيس الروسي ضد المصالح التركية، واسعة ومُتشعِّبة، ولها انعكاسات قاسية على الاقتصاد التركي. اما القرارات العاجلة التي اتخذها رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف فتُدخِل المواطنيين الاتراك في جُزئيات مؤلِمة، خصوصاً في مجال النقل والانتقال والترنزيت، وفي ارباك اشغالهم البسيطة على الاراضي الروسية، لاسيما اصحاب المطاعم.

تركيا-تسقط-طائرة-سوخوي-الروسية

بلغ مستوى التبادل التجاري بين روسيا وتركيا في العام 2014 ما يزيد عن 31 مليار دولار اميركي، وكان البلدان يطمحان لوصول التبادل الى حدود الـ 100 مليار. وتركيا كانت خامس اكبر شريك تجاري لروسيا. اما الاستثمارات المُستقبلية فكانت متوجِهة نحو قطاعات استراتيجية، مثل بناء محطة نووية لإنتاج الكهرباء في تركيا بقيمة 12 مليار دولار، وانشاء خط لنقل الغاز الروسي الى تركيا، ومن ثُمَ الى اوروبا (ترك ستريم) بتكاليف تزيد عن ال 20 مليار دولار. اضافة الى مشاريع مُشتركة تشمُل انشاء مصانع للصلب، اضافة الى استثمارات تركية في روسيا في قطاعي السياحة والزراعة. ولعلَّ اهمها المشاريع التي بدأت بتنفيذها تركيا في جزيرة القُرم بعد ضمها الى روسيا في ربيع 2014.

كلفة تدهور العلاقات الروسية – التركية كبيرةٌ جداً. فالبلدان يتضرران من توقُّف التعاون، ولكن تركيا هي الخاسر الاكبر، فقطاعات السياحة والزراعة والنقل ستتأثر الى حدود بعيدة، ومن غير المؤكَّد ان تتمكن انقرة من تعويض خسائرها في مكانٍ آخر، واذا ما تمدَّدت العقوبات الروسية الى وقف تصدير النفط والغاز الى تركيا، سيكون الامر اشدُ ايلاماً، رغم ان الاقتصاد الروسي قد يتأثرُ ايضاً. فما هي اهم الانعكاسات الاقتصادية للأزمة؟

في السياحة؛ زار تركيا في العام 2014 اكثر من 3,3 مليون سائح روسي، ومعدل إنفاقهم لا يقلُ عن 3,5 مليار دولار، وكان متوقع لهذا العدد ان يتضاعف، خصوصاً بعد سقوط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء المصرية في 30/11/2015 وتحوُّل السواح الروس نحو تركيا. والاجراءات الروسية الجديدة شملت منع الشركات السياحية الروسية من تنظيم الرحلات الى تركيا، ومنع الخطوط التركية من الهبوط في المطارات الروسية، إضافة الى تحذير كافة المواطنيين الروس من السفر الى تركيا.

في الزراعة؛ تبيع تركيا الى روسيا ما يقارب 40% من صادراتها الخارجية من الفواكه والخضار، وقد بلغت قيمة هذه الصادرات ما يقارب 1,7 مليار دولار اميركي في العام 2014، وكان مُقدراً لها ان تزيد عن ذلك، بعد اعطاء المنتوجات التركية افضلية روسية. وتعتمد تركيا بنسبة 70% من استهلاكها للقمح على الواردات الروسية، وتلك المادة استراتيجية بالنسبة لتركيا، ومن المشكوك فيه ان تستطيع انقرة تعويض هذا الكمية – فيما لو توقفت الواردات الروسية – بزيادة الانتاج المحلي، والاسواق البعيدة ستُكبدُها تكاليف اكثر.

اما في مجال مواد الحديد والصلب؛ فإن الاسواق التركية ستشهد ارباكاً كبيراً، نظراً لإعتماد هذه الاسواق على الصادرات الروسية من الحديد والالمنيوم والنحاس، بما لا يقلُ عن 20% من حاجاتها، وتعويض هذه الكمية من مصدرٍ آخر يحتاج الى اتفاقاتٍ واجراءات، تأخذ وقتاً، وقد تختلف تكلفتها عن السلع الروسية.

وفي الاجراءات الروسية الأُخرى، عقوبات تشمُل قطاع النقل والترانزيت والتوظيفات الأُخرى. ففرض تأشيرة دخول على المواطنيين الاتراك، سيُربِك الاستثمارات واعمال المواطنيين الاتراك في روسيا – علماً ان الرئيس بوتين طلب من الشركات الروسية عدم توظيف مواطنين اتراك – اما العقوبات في قطاع النقل والترانزيت، فستكون الخسارة التركية كبيرة، ومن الصعوبة بمكان ايجاد بدائل او تعويضات عنها. فهناك ما لا يقلُّ عن 8000 شاحنة نقل تجارية تعبُرُ الاراضي الروسية، وتنقُلُ المنتجات التركية الى دول آسيا الوسطى، وهذه الدول يتحدث بعضها اللغة التركية، وتربطها مع انقرة علاقات مُميَّزة.

اما اذا طالت العقوبات الروسية قطاع النفظ والغاز، فسيكون ذلك صدمة حقيقية للإقتصاد التركي، وبدرجة اقل للإقتصاد الروسي الذي قد يعوض مبيعاته في دول آسيوية، لكن تركيا التي تستورد 27 بليون متر مكعب من الغاز الروسي، لن تتمكن من تأمين بدائل بسهولة عن السوق الروسية، لا من الجزائر ولا من قطر ولا من ايران، لوجود صعوبات لوجستية كبيرة.

يُعتبر حادث اسقاط طائرة السوخوي الروسية على الحدود السورية – التركية من اكبر الاحداث المُشابهة كلفةً على المستوى الاقتصادي، علماً ان امكانية تفاعله عسكرياً ما زالت قائمة، خصوصاً في ظل إنغماس روسيا في الاحداث السورية الى جانب النظام، وعدم قدرة تركيا للتراجع اكثر امام الطموحات الروسية، لأن لتركيا مصالح استراتيجية في سوريا، لا سيما في المنطقة المُمتدة بين حلب شرقاً الى اللاذقية غرباً، اضافة الى حساسيتها من تصاعد نفوذ الاكراد على الحدود الشمالية الشرقية لسوريا.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان

لماذا تحدث البابا فرنسيس عن “مناخ الحرب” في العالم؟