عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني
د. ناصر زيدان
28 سبتمبر 2015
يتبيَّن من المعطيات التي تحدُث على أرض الواقع في اليمن أن المشروع الانقلابي الذي نفذته ميليشيات عبد الملك الحوثي ومناصري الرئيس السابق علي عبدالله صالح منذ ما يقارب السنة، بدأ يلفظ الأنفاس. وتقدُّم قوات الشرعية اليمنية واضحٌ، وهو إقترب من إستعادة العاصمة صنعاء، بعد أن تجاوز خطوط دفاع الانقلابيين الحصينة في محافظة مأرب.
ومع عودة الرئيس المنتخب دستورياً عبد ربه محفوظ هادي إلى مدينة عدن، بعد غياب إستمرَّ ستة أشهر، يتأكد أن مندرجات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 التي تنصُّ على عودة السلطة الشرعية، وبسط نفوذها على البلاد، بدأت تأخذ مجراها الطبيعي، والانفلات المُتهوِّر الذي قامت به ميليشيات الحوتي – صالح، بدأ ينحسِر شيئاً فشيئاً، ومعالم الهزيمة لمشرع الانقلابيين توضَحت، ولكن كلفتها كانت كبيرة جداً، من دماء أبناء الشعب العربي في الخليج، وفي اليمن خصوصاً، ومن ممتلكاته، وما زالت التضحيات قابلة للإزدياد، طالما بقيت مغامرات المُكابرين قائمة.
الأحداث في اليمن ليست حرباً اهلية؛ ذلك أن التدخلات الخارجية – خصوصاً الإيرانية – كانت واضحة، ومُعلنة في أغلب الأحيان. لقد رفضت إيران المبادرة الخليجية التي أُعلنت في 18/5/2011، لحل الأزمة اليمنية الناتجة عن تطور الصدام بين الحراك الشعبي والاجهزة العسكرية للرئيس السابق علي عبد صالح، والتي كادت أن تُغرق البلاد ببحرٍ من الدماء. كما بدأت السلطات الإيرانية بتزويد ميليشيات عبد الملك الحوثي بالسلاح، عن طريق موانىء في أرتيريا، ومن خلال سفن تجارية مموهة، كما حصل مع باخرة “جيهان” الإيرانية التي أوقفتها سلطات ميناء عدن في 6/2/2013، وكانت مُحمَّلة بالسلاح المتطور لصالح الميليشيات المعارضة للحكومة.
الهدف الإيراني من تقويض الشرعية والسيطرة على اليمن، يحملُ عدة أبعاد. في جانبٍ منه يهدف إلى توسيع نفوذ طهران في المنطقة، وإستخدام اليمن وموقعها الاستراتيجي – لا سيما مضيق باب المندب في البحر الأحمر – في سياق تجاذبات طهران الدولية مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الكبرى، خصوصاً في مرحلة المفاوضات التي خاضتها مع مجموعة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن + المانيا، حول ملفها النووي، قبل أن تتوصَّل لإتفاق معهم في تموز 2015.
أما في الجانب الثاني من الأهداف الايرانية فيبدو واضحاً أن طهران تريد إستخدام الملف اليمني للضغط على دول الخليج العربية – لا سيما على المملكة العربية السعودية – تمهيداً لجرّ هذه الدول إلى مواجهات عقيمة، وليست مُجدية، ولا تدرُّ أية منافع على شعوب المنطقة. وحده التعاون بتواضع يُشكل الحل للطرفين.
أمَّا في الوجه الآخر للطموحات الإيرانية، فقد تكشَّفت مجموعة من الاعتبارات التي تحمُل رؤى، عقائدية وايديولوجية، لا تتلاءم مع المفاهيم التسامُحية للتنوع الإسلامي الذي تحتظنه اليمن، وباقي دول المنطقة. هذا التنوع أغنى الحياة العربية والإسلامية، وهو ينمُّ عن تسامحٍ عقائدي راقٍ، تميَّز به الدين الحنيف.
وأكثر من ذلك فقد تمدَّدت الأفكار إلى خيالات غريبة عجيبة، تحدث عنها كتاب “عصر الظهور” للشيخ علي الكوراني، والذي أشار فيه إلى أن صنعاء هي عاصمة “الثورة” التي ستسبق الظهور.
الاعتبارات الدينية في التركيبة اليمنية لا تتوافق أبداً مع التفسيرات الإيرانية، بل أكثر من ذلك فإن الزيدية الإمامية، كانت على تباين عقائدي واسع مع الاثني عشرية، إلى حد أن المرجع الزيدي الإمام الهادي يحي بن الحسين قال كلاماً كبيراً عنها.
والمبالغات التفسيرية التي يتحدَّث فيها أصدقاء إيران أحدثت خدوشاً واسعة في الذاكرة الإسلامية، وأثارت نعرات مذهبية، كان المسلمون قد تجاوزوها منذ مئات السنين. وأوضح هذه المبالغات جاءت على لسان زعيم “أنصار الله” عبد الملك الحوثي، وقد تناول في خطابه بمناسبة مرور سنة على الأعمال العسكرية ملفات وقضايا خلافية، تثيرُ الفرقة والانقسام بين المُسلمين، لا سيما منها ما يتعلَّق بالأماكن الإسلامية المُقدَّسة، وإعتبار مكة محتلَّة، خلافاً لرأي الاغلبية الساحقة من المُسلمين.
ما قالته صحيفة “الغارديان” البريطانية في 22/9/2015، قد يختصر الصورة: “التدخلات الإيرانية في الدول العربية إستغلَّت الحراك الشعبي لتوسيع نفوذها”
ما يأمله الرأي العام العربي غير ذلك تماماً. ما زال أمل هذا الرأي العام الجريح أن يستعيد قادة طهران وهج الثورة الإيرانية التي نادت بالوحدة والتعاون بين المُسلمين، قبل أي هدفٍ آخر.