سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان

د. ناصر زيدان

بين العام 2003 والعام 2009 حصلت احداث دامية في دارفور غرب السودان بين القبائل المختلفة التي تقطن في الاقليم. واقليم دارفور تتجاوز مساحته خمس مساحة البلاد، وفيه تنوُّع قبلي، ولكن سكانه جميعهم من المُسلمين. وقف الرئيس السوداني عمر حسن البشير ( 71 عاماً) الى جانب ميليشيات الجنجويد، وهذه الميليشيات مًتهمة بإرتكاب إعمال ابادة جماعية، وجرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، بحق افراد من قبائل الزغاوة والفور والمساليت.

في 5 آذار/مارس 2009 اصدر مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة مذكرة دولية بالقاء القبض على الرئيس عمر البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، واستُتبِعت هذه المذكرة بمذكرة أُخرى صدرت عام 2010، متهمةً البشير بمساعدة ميليشيات الجنجويد في القيام باعمال تطهير عرقي، وابادة جماعية بحق مجموعات من القبائل السودانية.
تدخُّل المحكمة الجنائية الدولية في دارفور، جاء بطلب من مجلس الامن الدولي، لكون السودان ليس عضواً في اتفاقية روما للعام 1998 التي أُنشئت بموجبها محكمة الجنايات الدولية الدائمة، وفقاً لما تنص عليه المادة 13 من نظام المحكمة.
عقب صدور مذكرة التوقيف الدولية بحق البشير، قام الرئيس السوداني بطرد كل المنظمات التي تتبع للأُمم المتحدة من البلاد، بما فيها طواقم المساعدات الانسانية التي كانت تقوم بأعمال اغاثة للمحتاجين والمُشردين في جنوب البلاد وغربها. وزار البشير دول خارجية ولم يتعرض له احد، ربما لأن الدول التي زارها منذ العام 2009 حتى اليوم ليست اعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.

البشير
الرئيس عمر حسن البشير الذي يتمتع بروح معنوية عالية، بعد اعادة انتخابه بنسبة 94% من الاصوات في نيسان الماضي، زار جنوب افريقيا في 15 حزيران الجاري، للمشاركة في قمة الاتحاد الافريقي التي انعقدت في جوهانسبورغ. يبدو ان البشير لم ينتبه الى كون جنوب افريقيا عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وهي موقًعة على اعلان روما، وهذا يُلزمها بإلقاء القبض على اي مطلوب للمحكمة وفقاً لما تنصُّ عليه المادة 59 من الاعلان.

بعد وصول البشير الى جوهانسبورغ، طلبت المدعية العامة للمحكمة الدولية فاتو بنسودا توقيفه، وأُحيل طلبها الى المحكمة العُليا في جنوب افريقيا، وخلال هذه الفترة، سارعت محمكة محلية الى اصدار امر بإلقاء القبض على البشير، بناءً لدعوى من جمعيات اهلية محلية. وقبل ان يصدر القرار عن المحكمة العليا بتوقيف البشير، حمل الرئيس السوداني عصاه وغادر البلاد على عجل، عائداً الى الخرطوم، بعد ان حضر افتتاح القمة الافريقية، وقاطع بقية اعمالها.

اخذت القضية ابعاداً سياسية وقانونية واسعة. فبينما خاب امل الولايات المتحدة الاميركية والامم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية من سماح سلطات جنوب افريقيا للبشير بالمغادرة، قالت سلطات جوهانسبورغ: ان البشير كان مدعواً من قبل الاتحاد الافريقي الى البلاد، وليس من قبل سلطات الدولة، والدولة مُلزَمة بإستقبال ضيوف الاتحاد الافريقي بموجب نظام الاتحاد، كما ان البشير غادر البلاد قبل ساعات قليلة من صدور قرار المحكمة العليا الذي يُلزم اجهزة المطار توقيفه، لأن قرار المحكمة العادية الذي صدر قبل ذلك، قابل للمراجعة، ولا يتمتع بقوة قاطعة، خصوصاً ان الفقرة (1) من المادة 59 من نظام المحكمة الدولية، تفرض القاء القبض على المطلوب وفق الاجراءات القانونية للدول الاعضاء.

البشير الذي يقود السودان منذ 25 عاماً، استهزأ من الضجَّة الدولية التي رافقت عودتهِ عندما اطلَّ من باب الطائرة في مطار الخرطوم ملوحاً بعصاته الشهيرة، ولكن الاستهزاء لا يكفي لمحو القضية التي تُلاحقة اينما ذهب، ذلك ان الجرائم المُحالة امام المحكمة الدولية لا تخضع للتقادُم، ولا تموت بمرور الزمن.

وبصرف النظر عن مدى مُطابقة التهمة الدولية للبشير مع الواقع – وهذه بطبيعة الحال مهمة المحكمة – فإن الإستخفاف بمجرى العدالة الدولية، مُقاربة خاطئة. “فإسرائيل” اهتزَّت عندما دخلت دولة فلسطين في عضوية المحكمة، كما ان تجربة الرئيس اليوغسلافي السابق ميلوسوفيتش (توفي في السجن) ورئيس ليبيريا السابق شارل تايلور (مسجون في لاهاي) ما زالت ماثلة للعيان. والامين العام للأُمم المُتحدة بان كي مون اكد ان متابعة تنفيذ قرارات المحكمة الدولية جزء من الانتظام الدولي.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

لماذا تحدث البابا فرنسيس عن “مناخ الحرب” في العالم؟