لماذا تحدث البابا فرنسيس عن “مناخ الحرب” في العالم؟

د. ناصر زيدان

مرَّت البشرية بحروبٍ واضطرابات؛ منها الكبيرة، ومنها الصغيرة. بعض هذه الحروب كان أُممياً وشاملاً، وبعضها الآخر كان اقليمياً، او بين دولتين، او داخل الدولة الواحدة. والثابت في التاريخ، كان الدورات الزمنية التي تتكرَّر كل عقدٍ او عقدين او اكثر، وعادةً ما كانت تغلُبُ على هذه الدورات سماتٍ مُحددة، احياناً يطغى عليها الاستقرار والتعاون، واحياناً اُخرى تطغى عليها اعمال العنف والقتال والتباعُد. هكذا كان الحال منذ بداية القرن العشرين حتى يومنا هذا، على الاقل.

 الهياج السياسي في العقد الاول من القرن العشرين انتج حرباً كونية شاملة، انتهت بمعاهدة صلح فرساي في العام 1919، اعقبها نوعٌ من الاستقرار رافقه صعوبات اقتصادية ومُناكفات عقائدية تعتبر طبيعية في مسيرة التاريخ. امَّا الجنون السياسي الذي رافق الاندفاعة النازية في الثلاثينات من القرن الماضي، فقد اسفرت عن حربٍ عالمية ثانية، كانت كارثة على البشرية بكُلِ المقاييس. ومع ولادة توازن الرُعب النووي في النصف الثاني من ذلك القرن بدأت حقبة من الاستقرار النسبي، ما لبثت ان تحولت الى مناخات حروب اقليمية محدودة، بدأت في كوريا وامتدت الى فلسطين والسويس وفيتنام وغيرهم.

الحرب العالمية الثانية

ومن تسوية كوبا التاريخية في العام 1960- حيث نجا العالم من حرب نووية – ولِدت حقبة من الحرب الباردة شهِدت استقراراً نسبياً ما برِح ان تداعى في السبعينيات على وقع الحروب الاقليمية والاهلية، في الشرق الاوسط واميركا اللاتينية وافريقيا، ثم كانت عشرُ سنوات من الاستقرار النسبي على وقع مفاوضات ستارت-1 وستارت-2 بين الجبارين السوفياتي والاميركي، الى ان انهار الجبار الاول، ودخل العالم في انفرادية قطبية شهدت حروب محدودة في يوغسلافيا السابقة وغيرها، ولكنها لا تعتبر مرحلة حرب بشكلٍ عام، بل غلب عليها شيء من الاستقرار.

كان العام 2001 محطة مفصلية، حيث اندفع الارهاب الى اقصى درجاته بتفجيرات 11 ايلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة الاميركية، نتج عن هذه التفجيرات غزو الاخيرة وحلفائها لافغانستان عام 2001 وللعراق عام 2003. خُلطت الاوراق، واختلَّت التوازنات، وحصلت بعض الحروب الصغيرة والاضطرابات، ولكن الوضع كان ممسوكاً عبر تعاون بين القوى الدولية الكبرى، شاركت فيه روسيا بدورٍ مُتقدِّم. منذ العام 2014  بدأنا نرى معالم حَقَبة توتر عالمية جديدة، ظهرت مؤشراتها في شرق اوروبا، والشرق الاوسط  وفي شمال ووسط افريقيا على وجه التحديد.

رئيس دولة الفاتيكان البابا فرنسيس، قال في خطابه امام حشود مُستقبليه في سراييفو عاصمة البوسنة التي زارها في 5/6/2015 انه يشعرُ بمناخات حرب تسود العالم. ذلك التوصيف الصادر عن رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، له دلالاته، وله ما يُبرِره لمجموعة من الاسباب والمُعطيات:

اولها: تجاوز التجذبات الدولية بين القوى الكبرى للحدود المسموح بها، مما خلق مناخ يشبهُ اصطفافات تحالفية كانت تسبق الحروب في الحقات الماضية. تلك المُقاربة تنطبق على يجري في اوكرانيا ومحيطها في اوروبا الشرقية، والى حدٍ بعيد تنطبق على توترات بحر الصين الجنوبي وكوريا الشمالية. لقد ادت هذه التوترات الى انفصال عُرى مجموعة 7+1 على الاقل، واصبحت روسيا تغرِّد مع حلفاء جدد، ووصف وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر رئيسها فلاديمير بوتين “بالمتوتر الذي يأخذ بلاده الى الاتجاه المعاكس”.

ثاني اهم المُعطيات التي تؤشِّر الى مناخات الحروب الاندفاعة غير محسوبة لبعض الدول الاقليمية الكبرى، لا سيما في الشرق الاوسط، حيث تجاوزت تدخلات ايران في الدول المجاورة الخطوط المسموح بها، ووصل الامر الى حد محاولة تغيير الخرائط الجيوبوليتيكية الحساسة، في اليمن وسوريا والعراق وسيناء، مما دفع الاطراف الآخرين الى العمل على ايقاف هذا المنحى المُتهوِّر، وبالتالي تعكير صفو مناخات الاستقرار، وترافق الامر مع استفحال العدوان “الاسرائيلي” على الشعب الفلسطيني بمختلف الاشكال والوسائل.

امَّا ثالث اهم اسباب انتاج مناخ الحروب، فهو تنامي عمل المنظمات الارهابية، خصوصاً في شمال افريقيا والشرق الاوسط، مُستفيدةً من الاجواء الدولية العكِرة، ومن دعم من قوى اقليمية ووطنية يهمها الحفاظ على السلطة، وتعزيز نفوذها، مهما كانت النتائج. تلك الاندفاعة الخطرة للمنظمات الارهابية، لا سيما تنظيم “داعش” اضفت توتراً على مختلف انحاء العالم، وساهمت مع الدعاية الصهيونية في تشويه صورة الاسلام السمحاء، كما خلقت اجواء مُؤاتية لما يُسمى “صراع الحضارات” لأنها تجاوزت كل الحدود في استهداف ابناء الديانات الأُخرى، وتكفير بعض الفرق الاسلامية.

مناخات الحرب التي تسود العالم اليوم، بدت حقيقة واقعة، ودورة زمنية مُخيفة، ذلك ان الفوضى القاتلة في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرهم؛ تهدد شعوب المنطقة برمتها، كما ان التوتر المُتفرِّع عن احداث اوكرانيا، والازمات الاقتصادية، تؤكِّد وجود هذا المناخ.

قمة “الدول السبع” الكبرى التي تُعقد بغياب روسيا في المانيا، مؤُشر اضافي على مناخات الحروب؛ فجدول اعمالها اقتصر على بحث موضوع الارهاب والازمة الاوكرانية، واليونان.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان