التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة
د. ناصر زيدان
10 نوفمبر 2015
الشعب العربي الفلسطيني الذي عاش الويلات على يد المُحتل “الإسرائيلي” منذ ما يُناهز 67 عاماً، يتمسَّك بحقوقه الوطنية المشروعة أكثر من أي وقتٍ مضى. والتآمر الذي تعرَّض له هذا الشعب على مدى كُل هذه السنوات، لم يُثنيه عن مُتابعة الكفاح من أجل رد العدوان، والحفاظ على مقدساته التي تحمُل رمزية وطنية وقومية وإسلامية جامعة.
إبان رعاية الولايات المتحدة الأميركية للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، تزايدت المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية أكثر من 4 أضعاف، ووصل عددها إلى ما يُناهز الـ 670 ألف وحدة إستيطانية. تلك الوقائع تؤكد من دون اية شكوك التواطؤ الذي مارسته دولة الرعاية، لصالح المُعتدي الإسرائيلي، برُغم تأكيدات الرئيس باراك أوباما على معارضة واشنطن لسياسة الاستيطان، ولكن يبدو أن الكلام شيء، والوقائع على الأرض شيءٌ آخر، ولو أرادت الإدارة الأميركية إستخدام الحزم في معارضة الاستيطان “الإسرائيلي” لفعلت ذلك من دون عناء.
الإنتفاضة الثالثة أو (إنتفاضة القدس) التي فجَّرها الفلسطينون في وجه الإحتلال ومستوطنيه منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مُستمرَّة، وهي تُقلِق قادة الإحتلال، وتُربِك مؤسسات الدولة المُعتدية برمتها. فرئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو الذي إتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالارهاب إعتقد أن الهجمات التي تعرض لها جنوده بالسكاكين، عندما هاجم المستوطنون المسجد الأقصى – أعمال فردية، ولكنه سرعان ما إكتشف أن أعمال الإنتقام الفلسطيني من العدوان، تمدَّدت في كل أنحاء فلسطين، بما في ذلك مشاركة فلسطينيي أراضي العام 1948، وقد إنتقم شبان الإنتفاضة الثالثة لدماء محمد أبو خضير الذي قتله المستوطنون في القدس، ولدماء وآلام عائلة الدواشنة التي أحرقها هؤلاء في نابلس.
إتهامات نتنياهو لعباس بالإرهاب، تخفي نوايا “إسرائيلية” خبيثة، فهي من جهة لصرف الأنظار عن إرتكابات قواته الوحشية بحق الفلسطينيين، ومن جهة ثانية للتشويش على الإدعاء الذي تقدَّم به عباس أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، موثقاً أبرز جرائم الإحتلال، وأعماله الإرهابية، التي يطالها الحساب الدولي، لكون “إسرائيل” قوة إحتلال تتحمَّل المسؤولية عن أمن السكان العُزل.
وقلب الوقائع في المنظور “الإسرائيلي” سياسةٌ قديمة، تستنِد إلى مقاربة الزعيم النازي أودلف هتلر الذي كان يقول كرر الخطأ ثم كرر، ثم كرر، لا بُد من أن يعلق شيءمنه في أذهان الناس. وعلى تلك الخلفية من “الُّلؤم السياسي”، أعلن نتنياهو في زيارته الأخيرة إلى ألمانيا أن مفتي القدس السابق الحاج أمين الحُسيني، شريك في ما يُسمى المحرقة التي طالت اليهود قبل الحرب العالمية الثانية.
وسط كل هذه التجاوزات “الإسرائيلية”، تطالب منظمة التحرير الفلسطينية بتحديد موعد للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي تمَّ الإتفاق على تسليمها للسلطة في أوسلو عام 1994، قبل أن توافق على إعادة التواصُل الأمني مع سلطات الإحتلال.
والسلطة الفلسطينية تطالب بوقف الرعاية الأميركية للمفاوضات، لأن هذه الرعاية كانت مُنحازةً “لإسرائيل” خصوصاً من خلال الدور الذي لعبه المُنسِّق السابق للمفاوضات، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق طوني بلير الذي عينته واشنطن في هذه المُهمة، مكافأةً له على دوره المُتعاون إبان إحتلال العراق.
وتُطالب السلطة الفلسطينية برعاية دول 5+1 للمفاوضات (أي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن + المانيا)، على غرار ما حصل مع الملف النووي الإيراني، ذلك لأن الرأي العام الأوروبي بدأ يتعاطف أكثر فأكثر مع المأساة الفلسطينية، على عكس ما هو عليه الواقع في الولايات المتحدة الأميركية، التي تتأثر أكثر بضغوط اللوبي الصهيوني، مدعوماً بمساعدة من كبرى الوسائل الإعلامية الأميركية.
الانتفاضة الفلسطينية الثالثة في وجه الإحتلال تتصاعد، لأن النوايا “الإسرائيلية” بالتعرُّض للمسجد الأقصى، ومحاولة هدمهِ لم تَعُد سراً. إن السماح للمستوطنيين اليهود بالدخول إلى المسجد قبل الظهر من كُل يوم، مقاربة خطيرة، تهدُفُ إلى كسر هيبة القُدسية التي يتمتع بها المسجد. والقرار الفلسطيني واضح بعدم تمكين الإحتلال من تنفيذ مُخطاطه العدوانية في القًدس. ذلك ما حصل في العام 1987 عندما تصدى شبان فلسطين بالحجارة لجنود الإحتلال والمستوطنين، وكانت الإنتفاضة الأولى، وعلى ذات الوتيرة قامت الإنتفاضة الثانية عندما دخل الإرهابي أرييل شارون إلى المسجد في العام 2000.
إن الإذلال الذي تمارسه قوات الإحتلال بغطاءٍ أميركي ضد الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن يستمرَّ إلى ما لا نهاية. وما قالته صحيفة معاريف “الإسرائيلية” عن التوازن في عدد السكان في فلسطين التاريخية بين اليهود والعرب، فيه شيءٌ من الواقعية، وهو يؤرِق قادة الإحتلال، خصوصاً بعد أن دخل فلسطنيي 1948 شركاء مع أبناء وطنهم في الاعتراض على سياسة العدوان “الإسرائيلية”، بما في ذلك أغلبية البدو والعرب الدروز، مما يُهدد بحرب اهلية داخل الكيان، لن تكون في صالح “إسرائيل” على ما قالت الصحيفة ذاتها في 2/11/2015.
لن يكفي “إسرائيل” بعد اليوم، الانحياز الرسمي الأميركي الذي يُغطي العدوان.