بعد اعتداءات باريس.. كيف وصلنا إلى هنا؟

رامي الريس (مجلة الخليج)

يدور نقاش مستفيض في مختلف الأوساط السياسية والدبلوماسية والأكاديمية، وهو مرشح للتوسع بعد اعتداءات باريس، يتعلق بالأسس والمنطلقات الفكرية والدينية التي ترتكز عليها الجماعات المتطرفة التي تنفذ أعمالاً لا توصف في وحشيتها وهمجيتها خصوصاً لناحية استهدافها للمدنيين والأبرياء والمواطنين الآمنين.

ولكن، يبقى السؤال يتصل بكيفية الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة من التطرف التي ستتفجر معها كل المرتكزات السياسية والبنى الإجتماعية لا سيما أنها تتجاوز الحدود الجغرافية وتعبر القارات.

لا شك أن الحرب السورية أججت الواقع المتطرف من أكثر من إتجاه وضاعفت أعداد المجموعات التي تحمل هذا الفكر. إن التردد الغربي لا سيما الأمريكي بالتعاطي الواقعي والموضوعي مع الأزمة السورية منذ اندلاعها عبر رسم سياسات واضحة لتعديل الأمر الواقع أدى إلى ملء الفراغ من قبل قوى إقليمية فاعلة سرعان ما تدخلت وأمسكت بمجريات كبيرة من الميدان السوري.

لقد أتيح لطهران منذ غزو أفغانستان (2001) ثم احتلال العراق (2003) ومحاربة تنظيم “القاعدة” وقتل أسامة بن لادن (بعد إسقاط صدام حسين ونظام طالبان) أن تتمدد أفقياً وعمودياً في كل أرجاء المنطقة العربية والإسلامية وأصبح لها عدد من الأذرع التنفيذية من الأدوات المحلية في عدد من الساحات (مثل العراق ولبنان واليمن والبحرين وسواها) التي غذتها على أسس مذهبية.

_36

وهذا التوسع الإيراني، الذي يأتي تطبيقاً لمبدأ تصدير الثورة الذي أعلنه مؤسس الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني، إنما أدى إلى وقوع الإهتزاز في التركيبة السياسية والإجتماعية والديموغرافية في تلك الساحات، وعطل مبادئ العمل السياسي ليعيد رسمها وصياغتها وفق المصلحة الإيرانية وحساباتها.

الأهم من ذلك، أن طهران قاتلت في كل الساحات ما عدا ساحتها الداخلية، وقاتلت بكل الجنسيات ما عدا أبنائها باستثناء سقوط بعض عناصر وضباط الحرس الثوري في سوريا. وهي أعادت تركيب الواقع الداخلي العراقي بما يتلاقى مع مصالحها بعد أن عقدت أكثر من صفقة مع الأمريكيين (الملقب بالشيطان الأكبر آنذاك) ليس أقلها تولية نوري المالكي منصب رئاسة الوزراء في بغداد وهو لم يتوانَ عن تطبيق السياسة والمصالح الإيرانية مما أدى إلى تهميش مكون عراقي أساسي واضطهاده.

وفي لبنان، إستطاع حزب الله أن يفرض معادلات سياسية جديدة مبتدعاً، عبر الممارسة وليس التطبيق الدستوري، حق النقض الذي أصبح يمتلكه وقد عممه على حلفائه فصار يعطل القرارات التي لا تتوافق مع مصلحته محولا بذلك حق المشاركة السياسية للأطراف إلى حق بالتعطيل.

أما في اليمن، فقد ساعدت طهران جماعة الحوثي على تنفيذ إنقلاب كامل في صنعاء عبر إحتلال القصر الجمهوري ومواقع أساسية. إلا أن صورة اللقاء الثوري الحوثي في القصر الرئاسي لم يتح لها الاستمرار بعد أن قادت المملكة العربية السعودية “عاصفة الحزم” لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح واستعادة الشرعية اليمنية.

مع كل هذه الصورة البانورامية حول تدخلات طهران في الساحات العربية، هل من المستغرب استيلاد كل التطورات السلبية داخل سوريا أو خارجها؟

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (مجلة الخليج)

لبنان.. فرج رئاسي لن يأتي!

المسار “الشيطاني” بين واشنطن وطهران!

حروب الشرق الأوسط مرشحة للاستمرار طويلاً!

دلالات زيارة جنبلاط إلى السعودية

هل من آفاق للتغيير الحقيقي في لبنان؟

روسيا وإعادة تعويم النظام السوري!

مأساة المهاجرين: وجه أول من وجوه متعددة!

عن الحراك “الشعبي” في لبنان

الديكتاتوريات ولدت الفوضى وليس الثورات!

إعادة تعويم النظام السوري خطيئة!

هل وصلت الحرب السوريّة إلى خواتيمها؟

هل تخدم الفوضى العربيّة سياسات واشنطن؟

لبنان.. عندما تُفلسف بعض القوى سياسة التعطيل!

اتفاق الغرب مع طهران: توسيع أم تقليص للنفوذ الإيراني؟

هل هي لعنة التاريخ أم الجغرافيا؟

الأمير سعود الفيصل: ديبلوماسية، شجاعة، اعتدال

لبنان على مفترق طرق… كما كان دائماً!