عن الحراك “الشعبي” في لبنان

رامي الريس (مجلة الخليج)

وصل التأزم القائم وانسداد الأفق المؤسساتي في لبنان إلى درجة غير مسبوقة من الشلل والتعطيل وهو ما ضاعف من حجم المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية وكان آخرها مشكلة النفايات التي تحولت إلى “القشة التي قسمت ظهر البعير” وفجرّت الغضب الشعبي على ضوء استعصاء إيجاد الحلول الناجعة من قبل الحكومة اللبنانية لإصرار بعض مكوناتها على عدم مناقشة جدول الأعمال قبل البت بمطالبها المتعلقة بالتعيينات العسكرية والأمنية!

وتمخضت حالة الغضب الشعبي عن قيام حراك واسع بلغ أوجه في تظاهرة كبيرة في 29 آب/ أغسطس المنصرم في ساحة الشهداء في وسط بيروت تلاها إقتحام مكاتب وزارة البيئة وإحتجاز الوزير في مكتبه بالتوازي مع المطالبة بإستقالته وهو الذي كان أعلن قبل يوم واحد إنسحابه من اللجنة الوزارية المكلفة معالجة أزمة النفايات التي عُهد حلها إلى لجنة خبراء برئاسة وزير الزراعة أكرم شهيب.

في المبدأ، لا يمكن لأي عاقل أو مراقب ألا يتفهم الصرخة الشعبية المدوية التي تعكس وجعاً حقيقياً من إستشراء الفساد الإداري وتردي الخدمات العامة لا سيما الكهرباء والمياه والبنى التحتية وآخرها كانت مشكلة النفايات. فالقوى السياسية اللبنانية لم تنجح مجتمعة في إنتاج الحلول الملائمة للعديد من المشكلات الحياتية الملحة. ولكن السؤال المشروع هو: هل يجوز التعميم في تحميل المسؤولية وعدم التمييز بين مواقف تلك القوى وجهودها؟ وهل تجوز المساواة بين وزراء مارسوا العمل الإصلاحي نهجاً في وزارتهم وسواهم ممن عاثوا فساداً في وزاراتهم؟

صحيح أن الغضب الشعبي مشروع ومفهوم ولكن التعميم ليس هو الحل، وإحتلال الوزارات ليس هو الخيار الأمثل لمعالجة المشاكل المتراكمة. ثم هل يجوز إبعاد الآلاف من المناضلين الشباب وغير الشباب لمجرد إنتمائهم الحزبي والسياسي؟ أليس هؤلاء الشباب هم من تظاهروا في السابق لإنهاء حقبة الوصاية السورية على لبنان والضغط لتحقيق الإستقلال والسيادة والحرية؟

من ناحية أخرى، من الواضح أن ثمة محاولات للتدافع بين الحملات المكونة للحراك الشعبي على إحتلال الشاشات والمنصات ولعقد المؤتمرات الصحافية والتسابق على الخطوات التي يمكن أن توصف بالتصعيدية. كما أن “ركوب” الموجة الشعبية من قبل شخصيات سياسية لخطف هذا التحرك وقطف نتائجه السياسية المنتظرة جارية على قدم وساق.

مهما يكن من أمر، من المهم أن تدرك تلك المكونات الشعبية أن تجربتها السياسية اليافعة تستوجب إنضاجاً في الرأي والتجربة السياسية وتروياً وهدوءاً بهدف الإستفادة من الضغط الشعبي لإقرار ملفات حياتية مهمة بدل أن يتحول هذا الحراك إلى وصفة جاهزة لإدخال لبنان في الفوضى التي نجا منها بأعجوبة حتى الآن على الرغم من الإشتعال الهائل في المحيط الإقليمي.

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (مجلة الخليج)

بعد اعتداءات باريس.. كيف وصلنا إلى هنا؟

لبنان.. فرج رئاسي لن يأتي!

المسار “الشيطاني” بين واشنطن وطهران!

حروب الشرق الأوسط مرشحة للاستمرار طويلاً!

دلالات زيارة جنبلاط إلى السعودية

هل من آفاق للتغيير الحقيقي في لبنان؟

روسيا وإعادة تعويم النظام السوري!

مأساة المهاجرين: وجه أول من وجوه متعددة!

الديكتاتوريات ولدت الفوضى وليس الثورات!

إعادة تعويم النظام السوري خطيئة!

هل وصلت الحرب السوريّة إلى خواتيمها؟

هل تخدم الفوضى العربيّة سياسات واشنطن؟

لبنان.. عندما تُفلسف بعض القوى سياسة التعطيل!

اتفاق الغرب مع طهران: توسيع أم تقليص للنفوذ الإيراني؟

هل هي لعنة التاريخ أم الجغرافيا؟

الأمير سعود الفيصل: ديبلوماسية، شجاعة، اعتدال

لبنان على مفترق طرق… كما كان دائماً!