المسار “الشيطاني” بين واشنطن وطهران!

رامي الريس (مجلة الخليج)

في موقفٍ لافت، إنما غير مفاجئ، أقر رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير بالصلة بين غزو العراق وظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) ولو أنه حاول أن يخفف من وقع هذا الرابظ العضوي من خلال تبرير ظهور التنظيم في سوريا وليس العراق وبعد مرور نحو 12 عاماً على سقوط بغداد.

وتوالى شريط اعترافات بلير، فرغم إقراره بصعوبة التعبير عن الندم حيال إسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إلا أنه قدّم اعترافات أخرى ثمينة منها قوله: “أعتذر عن حقيقة أن المعلومات الاستخباراتية التي تلقيناها كانت خاطئة، لأنه وحتى مع استخدامه (صدام حسين) للأسلحة الكيماوية ضد شعبه وضد آخرين، فإن ما ظننا أنه يمتلكه لم يكن موجوداً بالصورة التي توقعناها”.

هذه المواقف الاستباقية التي صدرت عن رئيس الوزراء البريطاني السابق قبيل صدور نتائج التحقيقات المتصلة بحرب العراق (2003)، أتت لتؤكد ما سبق ونشره منذ سنواتٍ رئيس لجنة التفتيش الدولية عن أسلحة الدمار الشامل في العراق هانس بليكس في كتابٍ شهير له بالإنجليزية أعطاه عنوان: “نزع سلاح العراق”.

ولكن حقاً، هل من المفيد اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات، وسقوط مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء نتيجة إصرار واشنطن ولندن على غزو العراق من دون حتى المرور من خلال مجلس الأمن الدولي، أن يعبّر رئيس الوزراء البريطاني السابق عن أسفه من خلال هذه الاعترافات؟ وهل ستعود عقارب الساعة إلى الوراء جرّاء هذا الاعتراف المتأخر والخجول؟

بطبيعة الحال، خلفيّة هذا القول لا ترتكز إلى تبرير أفعال نظام صدام حسين أو الترحم على رحيله، فهو كان ديكتاتوراً ومتسلطاً وأغرق العراق في حربين استنزفتا قدرات هذا البلد وإمكانياته البشرية والعسكرية والمالية والإقتصادية، الأولى الحرب مع إيران لمدة ثماني سنوات والثانية الخطوة الرعناء التي تمثلت بغزو الكويت!

ولكن ماذا كان خلف قرار الدول الكبرى خوض حرب مفتعلة تحت عناوين وهمية وأن تطيح بكيان دولة دون أن تكون قد فكرت بالبدائل. العالم برمته يذكر اللحظات الأولى لسقوط النظام العراقي وما تلاها من أعمال نهب وسرقة وشغب تحت أعين القوات الأميركية، وكان ذلك بمثابة مؤشر أولي على الفشل المتوقع للإدارة الأميركية في المرحلة التي تلت حيث تفلتت كل القيود المؤسساتية وبدأ الإنهيار التدريجي لهيكلية الدولة العراقية وصولاً إلى ذاك القرار الشهير الذي اتخذه الحاكم الإداري الأميركي بول بريمر بحل الجيش العراقي تحت عنوان مطاط هو “اجتثاث البعث”.

مهما يكن من أمر، فإن المقصود ليس الترويج لنظرية المؤامرة التي دُهست فيها أحلام الشعوب العربية على مدى عقود واستُخدمت لتفريغ المجتمعات العربية من النخب السياسية والفكرية والثقافية ولإسكات الإعلام وقمع حرية الرأي، ولكن هذا لا يلغي أن السياسات الأميركية والغياب العربي عن العراق بعد الغزو أتاحا المجال للاعبين إقليميين آخرين، وفي طليعتهم إيران، لملء الفراغ والانقضاض التدريجي على التركيبة السياسية والاجتماعية العراقية، ومدّت أذرعها أيضاً إلى لبنان والبحرين واليمن وطبعاً سورية.

فواشنطن، من خلال إزاحة صدام حسين (2003) بعد إسقاط نظام “طالبان” في أفغانستان (2001) ومطاردة أسامة بن لادن، أفرغت الساحة الإقليمية من ألد أعداء طهران، وساهم انحيازها الأعمى إلى إسرائيل بطبيعة الحال ببقاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي مفتوحاً من دون أي أفق جدي في التسوية الإقليمية. وها هي واشنطن ذاتها، التي تغاضت عن الأفعال الإيرانية لسنوات وتوجت مسارها “الشيطاني” معها بعقد صفقة نووية مع طهران، تتغاضى أيضاً عن أفعال النظام السوري، وعن التدخل الروسي في سورية، وعن أوكرانيا، وتتفرج على الغرق الليبي في الفوضى، وعلى النيران المشتعلة في كل المنطقة العربيّة!

ولكن السؤال المركزي: هل هذا مقصود أميركيّاً أم لا؟

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (مجلة الخليج)

بعد اعتداءات باريس.. كيف وصلنا إلى هنا؟

لبنان.. فرج رئاسي لن يأتي!

حروب الشرق الأوسط مرشحة للاستمرار طويلاً!

دلالات زيارة جنبلاط إلى السعودية

هل من آفاق للتغيير الحقيقي في لبنان؟

روسيا وإعادة تعويم النظام السوري!

مأساة المهاجرين: وجه أول من وجوه متعددة!

عن الحراك “الشعبي” في لبنان

الديكتاتوريات ولدت الفوضى وليس الثورات!

إعادة تعويم النظام السوري خطيئة!

هل وصلت الحرب السوريّة إلى خواتيمها؟

هل تخدم الفوضى العربيّة سياسات واشنطن؟

لبنان.. عندما تُفلسف بعض القوى سياسة التعطيل!

اتفاق الغرب مع طهران: توسيع أم تقليص للنفوذ الإيراني؟

هل هي لعنة التاريخ أم الجغرافيا؟

الأمير سعود الفيصل: ديبلوماسية، شجاعة، اعتدال

لبنان على مفترق طرق… كما كان دائماً!