الأمير سعود الفيصل: ديبلوماسية، شجاعة، اعتدال

رامي الريس (مجلة الخليج)

برحيل وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل تكون قد طويت صفحة مضيئة من الديبلوماسية العربية والدولية وخسرت المملكة العربية السعودية وجهاً بارزاً من وجوه قيادتها التي عملت على مدى عقود على صياغة وتطبيق سياسة خارجية إنفاذاً لتوجيهات القيادة وبما يتلاءم مع الموقع والثقل العربي والإقليمي والدولي الهام للمملكة.

لم يكن سعود الفيصل مجرد وزير خارجية، فهو احتل المنصب الديبلوماسي الأرفع في دولة مؤثرة على المستوى العربي وتملك من قدرات القوة والنفوذ على الساحة الدولية بشكل كبير ما جعل سياستها الخارجية مسألة شاقة تتطلب فهم التوازنات بدقة والعمل على التوازي بينها بما يتقاطع مع المصالح الإستراتيجية للدولة ويحفظ مصالحها واستقرارها ويساهم في نموها وازدهارها.

لقد عايش الأمير سعود الفيصل حقباتٍ صعبة وحساسة على مستوى المنطقة العربية وتولى حقيبة وزارة الخارجية بعد تسعة أشهر على إغتيال والده الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز سنة 1975، وبعد عامين حرب تشرين.

وصودف أنه من أولى ملفات “الانفجار” التي وقعت تزامناً مع استلامه لمهامه الوزارية كانت الحرب الأهلية اللبنانية في نيسان /أبريل 1975.

ومنذ تلك المرحلة، لم يتوانَ الوزير الفيصل عن بذل كل الجهود الممكنة لوقف مسلسل الدم وأزيز الرصاص وصوت المدافع، وتحرك مكوكياً مرات عديدة لإعادة الإستقرار إلى لبنان ولكن الظروف الإقليمية والدولية لم تكن مؤاتية وهي الظروف التي حولت لبنان إلى ساحة صراع إقليمي ودولي كبير.

ولكن الوزير الفيصل لم ييأس ولم يتعب وواصل جهوده إلى أن عقد النواب اللبنانيون إجتماعهم المطول والشهير في مدينة الطائف السعودية وقد تمخضت عن ذلك ولادة تسوية الطائف التي ساهمت المملكة بجعلها إقليمية – عربية – دولية لوقف الحرب في لبنان بعد 15 سنة من الإقتتال الدامي. ولا تزال صيغة إتفاق الطائف هي الأنسب اليوم بالنسبة للبنان لا سيما لناحية حسمها صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وهي الصيغة التي تكتسب أهمية إستثنائية في ظل الظروف الراهنة على المستوى الإقليمي.

ولم يتوقف دعم الوزير الفيصل للبنان بعد وقف الحرب الأهلية فكان نشيطاً في المساعدة على حشد الدعم للبنان على المستويين الاقتصادي والمالي، وعلى لملمة آثار الإعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة على لبنان وكان آخرها سنة 2006، وشارك بفاعلية في مؤتمرات باريس 1و2و3 التي خصصت لدعم الإقتصاد اللبناني والحيلولة دون إنهياره بجهد مشترك مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

لقد كان الوزير الفيصل ديبلوماسياً من الطراز الرفيع، عرف كيفية الحفاظ على التوازنات السياسية وإستطاع أن يكرس صورة الإعتدال في السياسة الخارجية للمملكة على مدى عقود، وهي الصورة التي سعت العديد من الأطراف الإقليمية لتشويهها وضربها.

إنحاز الى جانب الشعب السوري في مطالبه المحقة بالديمقراطية والحرية والكرامة وسعى لإنتاج حلول سياسية عبر جامعة الدول العربية لوقف شلال الدم في سوريا وإيجاد صيغة تحمي هيكل الدولة السورية ووحدة أراضيها، إلا أن سياسات النظام السوري وحلفائه الإقليميين حالت دون حصول ذلك وأدت بسوريا إلى الدمار والهلاك مع وصول عدد القتلى إلى ما يزيد عن 300 ألف قتيل وما يزيد عن 8 ملايين مهجر داخل وخارج سوريا.

سوف يفتقد العالم والمنطقة العربية والاسلامية الأمير سعود الفيصل الذي سيترك غيابه فراغاً كبيراً على العديد من المستويات.

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (مجلة الخليج)

بعد اعتداءات باريس.. كيف وصلنا إلى هنا؟

لبنان.. فرج رئاسي لن يأتي!

المسار “الشيطاني” بين واشنطن وطهران!

حروب الشرق الأوسط مرشحة للاستمرار طويلاً!

دلالات زيارة جنبلاط إلى السعودية

هل من آفاق للتغيير الحقيقي في لبنان؟

روسيا وإعادة تعويم النظام السوري!

مأساة المهاجرين: وجه أول من وجوه متعددة!

عن الحراك “الشعبي” في لبنان

الديكتاتوريات ولدت الفوضى وليس الثورات!

إعادة تعويم النظام السوري خطيئة!

هل وصلت الحرب السوريّة إلى خواتيمها؟

هل تخدم الفوضى العربيّة سياسات واشنطن؟

لبنان.. عندما تُفلسف بعض القوى سياسة التعطيل!

اتفاق الغرب مع طهران: توسيع أم تقليص للنفوذ الإيراني؟

هل هي لعنة التاريخ أم الجغرافيا؟

لبنان على مفترق طرق… كما كان دائماً!