هل من آفاق للتغيير الحقيقي في لبنان؟

رامي الريس (مجلة الخليج)

تصاعدت حركة الاحتجاجات الشعبية في لبنان خلال الأسابيع الماضية بعد أن فجرتها أزمة النفايات المتراكمة في الشوارع والطرقات والساحات العامة بالتوازي مع شلل مقصود ومفتعل في المؤسسات الدستورية اللبنانية، بسبب أداء بعض القوى السياسية وربطها المصلحة الوطنية العامة ببعض مصالحها الفئوية الخاصة.

ولبنان معروف بديمقراطيته الهشة وتصدّع مؤسساته عند المنعطفات الكبرى وعدم قدرته على حماية إستقراره السياسي والأمني لفترات طويلة، إذ غالباً ما يعود الإنقسام الحاد بين مكوناته والتأثيرات الإقليمية الخارجية والولاءات العابرة للحدود، ليفعل فعله في تدهور الأوضاع الداخلية وإنهيارها. ولعل المثال الصارخ والأكثر وضوحاً عند ذلك كان الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت بين عامي 1975 و1990 والتي لم تنتهِ إلا بتفاهم عربي ـ دولي تُرجم في وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي عرفت بإسم “إتفاق الطائف”.

Baabda-place

ولكن من المعيب القول إن لبنان، على الرغم من هشاشة نظامه الديمقراطي، حافظ – ولو بصعوبة – على مبدأ تداول السلطة إذ تولى منصب الرئاسة اللبنانية 12 شخصية منذ نيله إستقلاله الوطني سنة 1943. كما أنه شكل قاعدة هامة للحفاظ على التعددية والتنوع رغم الصعوبات الجمة التي واكبت إدارة هذه التعددية والفشل في إنجاح صيغة تؤمن المشاركة العادلة لمختلف أبنائه في القضايا الوطنية العامة.

ولكن بقيت الطائفية مشكلة حقيقية في الصيغة اللبنانية، إذ أنها قسّمت المواطنين وفرزتهم وفق طوائفهم ومذاهبهم وجعلت منهم درجات في الرتب السياسية، فهذا يحق له أن يكون رئيساً للجمهورية وذاك بإستطاعته أن يتبوأ منصب رئيس مجلس النواب وذلك محجوز له مقعد رئاسة الحكومة، فيما الآخرون ممنوع عليهم الاقتراب من تلك المواقع أو الترشح لها بحسب إنتماءاتهم المذهبية.

وفاقم هذه الحالة من التمييز الطائفي والمذهبي تثبيت نظام المحاصصة، فصارت الطوائف والمذاهب تنهش من هيكلية الدولة وتوزع “المغانم”، إذا صح التعبير، وترشح أبناءها لاحتلال المناصب الحكومية والإدارة العامة (دون أن تبالي بالضرورة بترشيح الأفضل عندها بالحد الأدنى!)

مهما يكن من أمر، فإن المطالب الشعبية محقة ولو أن الملاحظات في الشكل والجوهر تتنامى حيال المجموعات التي تدير “الحراك المدني” لا سيما جنوحها في بعض الأحيان لسلوك مسارات تصاعدية كاحتلال الوزارات وقطع الطرقات وهو ما لا يتلاقى مع رغبات عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين يريدون التغيير الحقيقي ويحلمون به بعفوية وبراءة.

الحراك

وهذا يجعل إفراغ الحراك من مضمونه مدخلاً لإهدار فرص جدية للتغيير التدريجي لا سيما أن طبيعة التركيبة السياسية اللبنانية مغايرة للأنظمة العربية التي سقطت في الثورات العربية وهو ما أدركه المتظاهرون الغاضبون الذين سرعان ما أقلعوا عن الشعار الشهير الذي أطلقوه في مطلع الحراك: “الشعب يريد إسقاط النظام” تيمناً بما حصل في بعض الساحات العربية الأخرى.

ختاماً، التغيير ممكن وضروري في لبنان ولكن ليس على قاعدة المغامرة و”قلب الطاولة” لأن ذلك سيكون بمثابة وصفة جاهزة للفوضى، وحتماً ليس على قاعدة الانتقاص من نضالات وتاريخ شرائح شعبية وسياسية واسعة قدمت الكثير من التضحيات للحفاظ على لبنان واستقراره. فتعميم التهم لا يحقق الغايات المرجوة لا بل يضيع البوصلة ويهدر فرص التغيير.

فهل من يقرأ ويسمع ويفهم؟

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (مجلة الخليج)

بعد اعتداءات باريس.. كيف وصلنا إلى هنا؟

لبنان.. فرج رئاسي لن يأتي!

المسار “الشيطاني” بين واشنطن وطهران!

حروب الشرق الأوسط مرشحة للاستمرار طويلاً!

دلالات زيارة جنبلاط إلى السعودية

روسيا وإعادة تعويم النظام السوري!

مأساة المهاجرين: وجه أول من وجوه متعددة!

عن الحراك “الشعبي” في لبنان

الديكتاتوريات ولدت الفوضى وليس الثورات!

إعادة تعويم النظام السوري خطيئة!

هل وصلت الحرب السوريّة إلى خواتيمها؟

هل تخدم الفوضى العربيّة سياسات واشنطن؟

لبنان.. عندما تُفلسف بعض القوى سياسة التعطيل!

اتفاق الغرب مع طهران: توسيع أم تقليص للنفوذ الإيراني؟

هل هي لعنة التاريخ أم الجغرافيا؟

الأمير سعود الفيصل: ديبلوماسية، شجاعة، اعتدال

لبنان على مفترق طرق… كما كان دائماً!