لبنان.. فرج رئاسي لن يأتي!

رامي الريس (مجلة الخليج)

توسعت دائرة الشلل والتعطيل في لبنان خلال الأسابيع المنصرمة، فالحكومة لم تعقد جلسة لها بعد تعثر التسوية التي كان يجري العمل عليها في ما يخص الترقيات العسكرية والأمنية، ومجلس النواب أقفلت أبوابه أمام التشريع بالنظر إلى تحوله إلى هيئة ناخبة يُفترض بها أن تنصرف لإنتخاب الرئيس (رغم تراكم القوانين الملحة والهامة)، والرئاسة الأولى شاغرة منذ ما يزيد عن سنة ونصف السنة أي منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في أيّار/ مايو 2014.

وفاقم هذا التعثر المؤسساتي والدستوري تعثر خدماتي تمثل في عدم انطلاق خطة معالجة النفايات التي تراكمت في الطرقات والساحات العامة في مختلف المناطق اللبنانية منذ إقفال مطمر الناعمة في 17 تموز/ يوليو المنصرم وغياب المواكبة السياسية لتنفيذ الخطة الوحيدة التي قٌدمت لحل هذه المشكلة التي عُرفت بخطة الوزير أكرم شهيب، رغم إقرارها في مجلس الوزراء. وبلغ مستوى التراجع السياسي وحتى الأخلاقي في لبنان إلى درجة أن تم تحويل مقاربة معالجة ملف النفايات من مقاربة علميّة بيئيّة مفترضة إلى مقاربة طائفيّة ومذهبيّة، فصار من المفترض أن تؤمن كل طائفة مطمراً لنفاياتها!

الإيجابيّة الشكليّة الوحيدة التي سُجلت خلال الأسابيع المنصرمة هي معاودة هيئة الحوار الوطني للانعقاد، ولو أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لا يواظب على حضورها بل يوفد ممثلاً عنه بشكل متقطع للمشاركة في أعمالها، علماً أن البند الأول الذي تناقشه هو انتخابات الرئاسة اللبنانيّة التي يعتبر كثيرون أن عون هو من يعطلها نتيجة إصراره على الاستمرار في الترشح وعدم توفير النصاب (بالتضامن مع حليفه حزب الله) ما لم يضمن انتخابه رغم إدراكه أن ظروف وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى غير ناضجة محلياً وإقليمياً ودوليّاً!

وبالتالي، فإن المأزق الرئاسي اللبناني مرشح للاستمرار طويلاً في وقتٍ تتزايد المؤشرات التي تؤكد على ارتباطه أكثر فأكثر بملف الحرب السوريّة الذي تصاعدت الحركة السياسية والديبلوماسية لإيجاد حل لها في الآونة الأخيرة ولكن دون جدوى حتى اللحظة.

وفي حين تربط بعض الجهات بين إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني وبين تطور الحروب في المنطقة لا سيّما على خطي اليمن وسوريا وصراع المحاور في هذين الحربين، فإن الوقائع أثبتت أن استمرار الرهان على فوز هذا المحور أو ذاك لترجمته داخل الساحة اللبنانية تقدماً لفريق على آخر إنما هو رهان في غير محله.

لقد دلت كل التجارب السابقة أن محاولة أي فريق لبناني إحتكار السلطة أو توسيع قاعدة سطوته عليها (سواءً معنويّاً أو سياسياً أو عسكريّاً أو أمنيّاً) إنما هو لا يعدو كونه مغامرة مستحيلة غالباً ما تولد نزاعات دموية وصراعات عنفيّة لا تنتهي إلا بالجلوس على طاولة حوار وإنتاج تسوية سياسيّة تراعي التوازنات في المعادلة اللبنانيّة الصعبة والمعقدة. وهذه التجارب المستحيلة خيضت مداورةً من قبل عدد من الأطراف والطوائف ولم تصل سوى إلى حائط مسدود.

المشاركون في هيئة الحوار الوطني يعلمون أن سقف التوقعات السياسية من هذا الحوار منخفضة إلى أدنى المستويات، ويشاركهم هذا الإدراك الغالبية الساحقة من الرأي العام اللبناني. إلا أن هذا الحوار يبقى ضرورة في الوقت المستقطع حيث ترتسم معالم الصراعات في المنطقة، خصوصاً أن القوى اللبنانيّة تقر بأن تفاقم الأزمات الداخليّة بات يستوجب تدخلاً خارجيّاً لبلورة تفاهمات جديدة وفق قواعد سياسيّة جديدة.

ولكن، من هي الجهة الخارجيّة التي ستبادر في لحظة الإشتعال الإقليمي ومرحلة حروب المحاور إلى دعوة اللبنانيين إلى مؤتمر حواري على غرار مؤتمري الطائف والدوحة لإنتاج تسوية جديدة بين اللبنانيين؟ ومن هي الجهة التي تستطيع أن تؤمن تقاطعاتٍ إقليميّة ودوليّة لتحقيق هذا التفاهم اللبناني – اللبناني وتأمين الغطاء له أيضاً أسوةً بما حصل في الطائف (1989) والدوحة (2008)؟

مقولة أن الإستقرار اللبناني من الناحية الأمنيّة محفوظ في هذه الحقبة نتيجة قرار دولي في هذا الصدد إنطلاقاً من عدم الرغبة في تفجير ساحة صراع جديدة تُضاف إلى الساحات الأخرى الملتهبة تبدو صحيحة، ولكن من الذي يضمن بقاء هذا التقاطع الإقليمي – الدولي لحماية إستقرار لبنان سارياً إلى أمد طويل؟ ومن الذي يضمن عدم إستخدامه مرة جديدة كساحة لتبادل الرسائل من هذا الطرف أو ذاك ما يُسقط هذا الإستقرار الهش والمصطنع القائم راهناً ويفتح المجال أمام تطورات غير محسوبة تخرج مفاعيلها عن السيطرة السياسيّة ما لم يتم تحصينه سياسياً وأمنياً ودستورياً وإقتصادياً بالحد الأدنى؟

لبنان في قلب اللهب، كما كان دائماً، وبعض أركانه، بدل أن يتحسسوا حماوة النيران وخطر إشتعاله فيهم وفي البلد، تراهم يتأملون جمال لونها البرتقالي في إنتظار فرج رئاسي لن يأتي!

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (مجلة الخليج)

بعد اعتداءات باريس.. كيف وصلنا إلى هنا؟

المسار “الشيطاني” بين واشنطن وطهران!

حروب الشرق الأوسط مرشحة للاستمرار طويلاً!

دلالات زيارة جنبلاط إلى السعودية

هل من آفاق للتغيير الحقيقي في لبنان؟

روسيا وإعادة تعويم النظام السوري!

مأساة المهاجرين: وجه أول من وجوه متعددة!

عن الحراك “الشعبي” في لبنان

الديكتاتوريات ولدت الفوضى وليس الثورات!

إعادة تعويم النظام السوري خطيئة!

هل وصلت الحرب السوريّة إلى خواتيمها؟

هل تخدم الفوضى العربيّة سياسات واشنطن؟

لبنان.. عندما تُفلسف بعض القوى سياسة التعطيل!

اتفاق الغرب مع طهران: توسيع أم تقليص للنفوذ الإيراني؟

هل هي لعنة التاريخ أم الجغرافيا؟

الأمير سعود الفيصل: ديبلوماسية، شجاعة، اعتدال

لبنان على مفترق طرق… كما كان دائماً!