لبنان يحتضر.. وليس من مُنقذ!

د. صلاح أبو الحسن 

يقولون الشكوى لغير الله مذلّة.. كنا نقول البلد على شفير الهاوية.. اليوم نقول انه في القعر.. ولكن ماذا تحت القعر.. نعم إلى أين؟؟ طالما أن حفّاري القبور لا يزالوا ماضين في الحفر الى ما لا نهاية..

الحفّارون، هم من أهل البيت، المسيحيون وتحديدا الموارنة.. وباقي اللبنانيين.. ونحن في الذكرى الواحدة والاربعين لـ 13 نيسان.. يتذكر البعض قول المرحوم غسان تويني “حروب الآخرين على أرض لبنان”.. لكن الحفّارين هم هم.. ويتناسى هذا البعض من إستدرج الآخرين إلى أرضنا؟؟.. وهل نزل الآخرون من السماء؟؟..

الفارق بين حفّاري الأمس واليوم زحمة الإعلام والاعلاميين ومحطات التلفزة التي تنتشر إنتشار النفايات في شوارعنا.. أخطر ما نحن فيه هذا “البخّ” والنفخ وقرع الطبول ودق النفير من بعض وسائل الاعلام.. وكأن لا حدود ولا خطوط حمر ولا من يحزنون.. تستمع إلى شاشات التلفزة.. فترى بث السموم يزاحم الكلام.. فالآخر وحده المسؤول عن الحرب الأهلية في لبنان..

للأسف، الناطق الاعلامي على الشاشة ينطق باسم الفريق الذي ينتمي إليه سياسيا.. ولنقل باسم المذهب أو الطائفة التي خرج منها.. فينقل وجهة نظر هذا الفريق..

هؤلاء إما أنهم لم يخرجوا من وطن.. او أنهم لا يميزون بين الوطن والطائفة.. الوطن لا يتعدّى، بالنسبة لهؤلاء، فلسفة  “القراّدي” و”المعنّى” و”الزجل”.. الوطنية عندهم تُستنفر ضدّ كاركاتير في صحيفة ما.. لكن وطنيتهم لا يستفزها فراغ رئاسي قارب السنتين.. ولا يستفزها تعطيل السلطتين التشريعية والتنفيذية وكل مؤسسات الدولة، إن كان لا يزال هناك دولة.. بعد ان قوّضوا كل ركائزها..

ولا يستفزّها هذا الإعلام الفالت والجاهل والغبي والمتآمر على لبنان..

الشاشات في ذكرى 13 نيسان، تحمل شعارا سخيفا “تنذكر وما تنعاد” وأخبارها ومقابلاتها تعيد وتكرر 13 نيسان كل دقيقة وكل لحظة.. عبر تمجيد وتأليه موقدي نيرانها، والتصوب على الآخر..

الحرب الاهلية3

نعم، إستفزني هذه الأيام، ما أسمعه وما أراه على الشاشات من بكائيات ونحيب على خراب لبنان القديم.. ويتهمون الدببة بالخراب والدمار.. ويتناسون انهم ينتمون إلى المجموعات السياسية والطائفية.. التي استدرجت الدب العربي إلى أرضها.. مراهنة على الدبّ الاسرائيلي لإنقاذها وتخليصها من هذا الدب العربي..

هذه الرهانات، هي التي أشعلت الحرب الأهلية في لبنان.. فلا الدب العربي أنقذهم مما يُسمّى بحماية “الأقليات” الطائفية.. ولا الإسرائيلي انقذهم من الدب العربي.. والدبّان كانا متعاونان بادارة أميركية.. واداة سورية، ولا الأم الحنون تمكنت أو أرادات حماية “كذبة الأقليات”.. فكانت البواخر في انتظارهم.. ولكنهم لم يتعلموا.. ويبدو أنهم لن يتعلموا..

كل ما في الأمر ان هؤلاء “خبصوا” في “معلفهم”.. و”لبطوا” ما أنجزه اسلافهم بمحض إرادتهم.. للأسف إنهم أسرى غبائهم وتعصبهم..

الأنكى، أن هؤلاء لم يتعلموا من دروس الماضي.. لا زالوا يُكابرون ويُغالون.. بل وصلوا إلى حدّ الانتحار.. ونحر لبنان.. وكأنهم منفصلون ومنفصمون عن الماضي وعن التاريخ..

للأسف، رهانهم على الخارج مستمر.. ولا تنفع معهم النصيحة.. الرهان السابق نقلهم من الأكثرية إلى المناصفة.. الرهان الحالي قد ينقلهم إلى المثالثة.. فماذا بعد؟؟!!..

الدكتور نبيل خليفة يسمّي ما نحن فيه، بالبؤس السياسي.. ويقول: لبنان الكبير الذي أنشىء عام 1920 لا يزال غير معترف به من الجارتين سوريا وإسرائيل.. وهما دولتان توسعيتان.. وتعتبران لبنان الكبير “خطأ تاريخي”.. فهل من يفهم؟؟!!..

كم كان كلام الرئيس تمام سلام معبراً عندما قال ليتهم يتوحدون من أجل انتخاب رئيس للجمهورية.. وليس على موظف أو وظيفة..

بئس الوحدة على أهميتها، عندما يصبح الموظف أهم من رئاسة الجمهورية الموقع المسيحي الوحيد في العالم العربي.. وبئس الوحدة على أساس طائفي ومذهبي وليس على قاعدة وطنية.. وبئس الوحدة عندما يصبح الشخص، ايا كان، أهم من سدّة الرئاسة وبئس الوحدة على قاعدة طائفية على حساب الوطن..

الاحلاف الطائفية كانت دائما نذير شؤم وخراب للبنان بدءا من الحلف الثلاثي عام 1968، إلى كل الاحلاف المشبوهة والمريبة اليوم..

فلا تخطئوا الحسابات مرة جديدة ولا تأخذوا لبنان إلى مكان لا ترجونه.. وساعتها لن ينفع الندم!!.. وتذكروا كلام هنري كيسنجر في مذكراته عام 1982: أن هناك توافق بين سوريا واسرائيل.. الأولى تطرد الفلسطينيين من الجنوب الى طرابلس والثانية تتولى طردهم من الشمال.. واليوم يمكن أن نقول: أن هناك توافق بين سوريا وإسرائيل وايران..

كيسنجر

ألم تُلاحظوا أن شعارات الخميني “الموت لأميركا” و”محو إسرائيل عن الخريطة” و”اسرائيل الى البحر”.. باتت من الماضي.. إيران الخميمية انتهت بعد الإتفاق النووي.. ونحن اليوم في الجمهورية الإيرانية الثانية..

إتعظوا واستفيقوا من غياهب أحلامكم وتعصبكم.. فالمسيحيون الأوائل كانوا رواد النهضة العربية ورواد الفكر العربي وأعلام اللغة العربية.. ورواد الديمقراطية التشاركية على حدّ قول ميشال شيحا..

وأخيراً، لبنان يحتضر.. وليس من مُنقذ.. ومن ينتظر أن يهبط علينا المنقذ من مكان ما، أو من الخارج، فسينتظر طويلا.. فالبلد للجميع ومسؤولية الجميع التشارك في إنقاذه..