الجمهورية الارثوذكسية الروسية!

د. صلاح أبو الحسن

في مسلمات الحرب السورية المستمرة منذ اكثر من اربع سنوات، وانعكاساتها على لبنان وسوريا وعلى المنطقة.. فان هذه الحرب:

– ادّت الى مقتل حوالي اربعماية الف مواطن سوري وتهجير اكثر من نصف السوريين وسجن اكثر من نصف مليون وتدمير نصف سوريا ومشاركة الارهابيين مع النظام في تدمير تاريخ وتراث سوريا الذي لم يمسّ عبر آلاف السوريين..

– استدراج وجذب آلاف “المرتزقة” او تسهيل دخولهم الى سوريا، اما لتشويه المعارضة والثورة السورية التي بدأت “سلمية”.. او لممارسة العنف والقتل والدمار لوضع السوريين بين خيارين: “اما الاسد او نحرق البلد.. واما الارهاب”.. والخياران وجهان لعملة واحدة..

– يتفق الجميع شرقا وغربا.. عربيا واقليميا ان بشار الاسد والنظام السوري كان ليسقط في الاشهر الستة الاولى من الثورة السورية، لولا الدعم العسكري والسياسي من قبل روسيا وايران ولاحقا عبر الدعم الميداني من قبل الحرس الثوري الايراني وحزب الله..

– بعد عجز كل هذه القوى “الجبارة” عن حماية الاسد ونظامه وبرز هذا العجز بوضوح في القلمون والزبداني، كان لا بدّ من الاستعانة بالصديق الروسي “الارثوذكسي” لحماية “سوريا المفيدة”.. على الاقل..

Assad-Putin

حاول حزب الله انقاذ الاسد منذ اربع سنوات وفشل.. وحاول الحرس الثوري نجدة حزب الله والنظام وفشل.. ويحاول اليوم الروس وسيفشلون في تعويم الاسد وفي انهاء الارهاب الداعشي..

اليوم، ونحن على مشارف السنة الخامسة من الحرب السورية  فاجأنا قول رئيس دائرة العلاقات في الكنيسة “الارثوذكسية” الروسية فسيفولد تشابلين، ان المعركة الني تخوضها روسيا في سوريا لحماية النظام الديكتاتوري والدولة العلوبة في سوريا هي “حرب مقدسة”..

غريب ان تنتقل عدوى “القداسة”.. من حزب الله وايران الاسلامية الى دولة بوتين خرّيج مدرسة الاتحاد السوفياتي “العظيم”!؟ او بالاحرى خريج مدرسة ستالين..

فهل نحن امام “الجمهورية الارثوذكسية الروسية”.. التي انضمت الى “حلف الاقليات” او “تحالف الممانعة” في الشرق الاوسط؟!

في عصر مضى “الحرب المقدسة” كانت شعار الحروب الصليبية على بلاد الشام.. اليوم باتت الحرب المقدسة في سوريا شعار “الجمهورية الاسلامية الايرانية” وشعار “الجمهورية الارثوذكسية الروسية”.. ويمكننا ان نضيف جمهورية جديدة هي “الجمهورية الفرعونية المصرية”..

وهنا نسأل “الكنيسة الارثوذكسية الروسية”: اذا كانت الدعوة الى “الجهاد” اجتهاد ديني ايراني – داعشي، فهل الدعوة الى الحرب “المقدسة” اجتهاد كنسي – قيصري؟؟ وكلاهما دعوة الى القتل.. ولنذكر من يريد ان يتذكر: انكم قاتلتم “الجهاد” في افغانستان ضد السوفيات..

الكنيسة الروسية

هل يستحق نظام مخابراتي فاشي ديكتاتوري قاتل ومدمر لبلده وقاتل لشعبه.. وهل يستحق نظام العائلة.. تحالف كل هذه “الجمهوريات”؟!! جمهوريات الملالي والقياصرة والفراعنة؟؟…

روسيا ومنذ بداية الثورة السورية في درعا عام 2011، اعتبرت ان ما يحدث في سوريا ليس “ثورة شعب”.. بل إرهابا.. وكل الكلام الروسي عن ضرورة “الحل السياسي” في سوريا.. وعقد ثلاث مؤتمرات ضمت المعارضة والنظام تحت شعار “مؤتمر موسكو”.. كان كذبا ودجلا..

منذ الدخول الروسي المباشر في الحرب السورية.. والاعلام الروسي الرسمي والموجه يقول: “اينما ضربنا سنقتل ارهابيين” لتبرير ضربهم المعارضة المعتدلة.. فيما بغضون النظر عن تنظيم داعش.. انها سياسة النظام السوري الذي كان يتعاون مع داعش لضرب الجيش السوري الحر.. السياسة ذاتها ينتهجها اليوم الجيش الروسي..

“النكتة” الاهم عندما يقول الاعلام الروسي، ان الطائرات الروسية تضرب “الارهابيين” بالصواريخ والقذائف الفتاكة.. وتضرب “المعتدلين” بقنابل “معتدلة القوة”!!..

اليوم، انفرجت اسارير بشار الأسد ونظامه وحاشيته وهو يرى بعد انهيار جيشه وفشل ايران وحزب الله في حمايته: يرى أميركا تضرب داعش وروسيا تضرب المعارضة السورية المعتدلة.. غريبة هذه المصادفة وهذا التناغم..

بشار الاسد وفلاديمير بوتين يتشابهان في الوحشية والتدمير والابادة.. الاول دمّر سوريا والثاني يذكرنا اليوم في حربه ضد الشعب السوري.. بغزوة السوفيات بودابست في “ربيع براغ”.. في 5 كانون الثاني 1968، لمطالبته بالحرية والديمقراطية وبـ”الاشتراكية ذات الوجه الانساني”.. وبحرب “القياصرة” ضد جورجيا والشيشان واوكرانيا.. فمطالبة الشعب بالحرية والديمقراطية بنظر الانظمة التوتاليتارية الروسية والبعثية جريمة لا تُغتفر وتستحق الابادة..

واخيرا، الغريب هذا الصمت الاميركي والاوروبي المريب والمشبوه، تجاه الحرب الروسية ضد الشعب السوري!! وهذا يعني مباركة ضمنية للغزو الروسي.. وسيسجل التاريخ ان الولايات المتحدة الاميركية تتحمل القسط الاكبر من المسؤولية في اجهاض الثورة السورية وتدمير وتهجير وقتل ملايين السوريين.. وعن تفتيت وتقسيم سوريا..