كفى مغالاة ومكابرة.. تواضعوا!!

د. صلاح أبو الحسن 

خُطب قادة حزب الله وخاصة الأمين العام منذ سنة تقريباً موجهة إلى جهتين لبنانيتين وبعضها القليل بمثابة رسائل لكل من يعنيه الأمر.

الجهة اللبنانية الاولى، تمثل ما تبقى من الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والسياسية.. وهي مؤسسات مسلوبة فعليا ودستوريا، والرسالة الموجهة لهذه الجهة مفادها باختصار، أنه لولا المقاومة لما كان هناك شيء إسمه لبنان.. ولكان كل اللبنانيين وبعض العرب والمسلمين في “خبر كان”.. يمنّون اللبنانيين ويعيبون عليهم تمنين الحزب بالحوار والجلوس معهم إلى طاولة واحدة.. ويقولون للشريك في الوطن: إشكروا ربكم أننا نقبل بالحديث معكم ولولا نعمة “التواضع” التي نتحلى بها لما كنا قبلناكم في الوطن!!..

لولانا، لكانت داستكم إسرائيل – رغم عمالتكم لها – وإذا بقي بعضكم حيا لكان ذبحكم تنظيم “داعش” وأخواته.. – رغم تمويلكم لهم – ولذلك واجبكم الإنحناء أمامنا وشكرنا صبحا ومساء..

لولانا، لكان الشيطان الأكبر والغرب “اللعين”، “محا” من الوجود كل المسلمين في العالم..

ولولانا، لكان الإرهاب أنهى وجود “الأقليات” ليس في العالم العربي وحسب، بل في كل أصقاع الأرض.. نحن خُلقنا لحماية الأقليات من التطرف السني..

ولولانا، لكانت قُطعت عنكم كل أسباب الحياة من ماء وهواء وغذاء.. ولذلك واجبكم أيضا الإنحناء أمامنا وشكرنا صبحا ومساء.. فمجرد وجودكم أحياء إنما هو بفضلنا..

وأخيرا، لولانا لكانت “الجنة” مقفرة وجدباء.. نحن وحدنا من يمدّها بالرجال ولو كانت تعتمد عليكم.. لكانت أقفلت أبوابها!!…

Lebanon's Hezbollah leader Sayyed Hassan Nasrallah addresses his supporters during a religious procession to mark Ashura in Beirut's suburbs November 14, 2013. Ashura, which falls on the 10th day of the Islamic month of Muharram, commemorates the death of Imam Hussein, grandson of Prophet Mohammad, who was killed in the 7th century battle of Kerbala. REUTERS/Khalil Hassan (LEBANON - Tags: POLITICS RELIGION)

الجهة اللبنانية الثانية، والأهم، هي البيئة “الحاضنة” التي بدأت “تكفر” بقادتها.. فهؤلا القادة الكبار منهم والصغار، قلما نسمعهم يخاطبون اللبنانيين والعالم إلا بمجالس عزاء.. أو في تأبين “شهيد” أو في أسبوع شهيد.. نحن أمام حوالي ألف مناسبة تأبين..

الأمهات الثكالى والآباء المفجوعين والأهل والأقارب المصدومين.. ضاقوا ذرعا بما يحدث لاحبائهم.. علامات “الرفض” و”الممانعة” لما يجري بدأت منذ فترة في “البيئة الحاضنة”!!..

لو كانوا يسقطون شهداء من أجل فلسطين ومن أجل القدس والأقصى.. لكانت البيئة ذاتها زغردت للشهيد ونثرت الأرز والورود وودعته بالحداء..

لكن أن يقضوا من أجل حماية ديكتاتور ومن أجل نظام فاسد تلبية لقرار إقليمي من أجل حماية مصالحه.. فهذا منتهى التهور والغباء..

نصف مليون قتيل وعشرة ملايين نازح ومهجّر.. جميعهم “مسلمون”.. أي دين يحلّل ذلك؟؟ حتى الكفرة والملحدون لا يبيحون ذلك!! أليس محرّما قتل المسلم لأخيه المسلم..!! بل قتل الإنسان لأخيه الانسان.. أي “جنة” تستقبل هؤلاء القتلة.. والجنة.. ما كانت في يوم من الأيام للقتلة والكفرة..

الخطب والكلام “المعسول” الذي توجهونه لبيئتكم لم تعد تًجدي نفعا.. غسل الأدمغة مضى عصره.. كل الكلام الأخير والنبرة العالية والتخويف من “راجحكم” أو داعش الذي خلقه النظام الفاشي الذي تستقتلون وتقتلون خيرة شبابكم من أجل حمايته.. لم يعد ينطلي على أحد..

تشييع حزب الله

“المقاومة” إختُرعت لقتال إسرائيل وتحرير القدس.. و”الممانعة” إختُرعت تحت شعار “لا صوت يعلو صوت المعركة” وتحت هذا الشعار تحولتم إلى “سجن كبير”.. وصُرف النظر عن الجولان منذ نصف قرن.. و”كذبة” التدخل في سوريا من أجل حماية المراقد الدينية ومنع تغلغل الإرهاب.. تحولت إلى حماية رأس نظام..

فالمعارك مع إسرائيل إنتهت منذ تسع سنوات مع القرار 1701، والممانعة قتلت شعبها والمراقد الدينية لم تُحمى والإرهاب زاده تهوركم وتهور حلفاءكم من الولي إلى القيصر..

كل خطبكم الأخيرة وإيهام بيئتكم.. أن تضحياتهم هي الضمانة للبقاء أعزاء معزوفة كاذبة ورخيصة.. تواضعوا قليلا وعودا إلى رشدكم ودينكم..

خطاب “السيد” الأخير، كأنه كان مخصصا للتعالي والمكابرة والاستعلاء.. نسي أن سبب تعطّل الدولة وخاصة مؤسساتها الأمنية وعدم قدرتها على تطبيق خطتها الأمنية، هو وجود دولة رديفة للدولة الشرعية.. ووجود جيش رديف بل أقوى واهم جيش الدولة.. يجعل الدولة عاجزة عن تأدية مهامها من إنتخاب رئيس للجمهورية إلى شلل مجلس النواب إلى تعطيل الحكومة وصولا إلى الأمن بالتراضي..

والخطاب الأخير، وجه رسالة واضحة إلى الشريك المختلف مفادها: إما أن تعترف أنك “مهزوم” وتقبل بسياستي وطريقتي ونهجي في الحوار والحكومة والأمن وبمرشحي للرئاسة.. أو “بلّط البحر”..

والخشية الأخطر، أن تصدّقوا أنتم الكذبة التي درجتم على تكرارها!!؟؟… أنتم أحرار بتصديقها.. ولكن محاولة إقناع بيئتكم وباقي اللبنانيين بالكذبة.. يعني أنكم لا زلتم على عنادكم ومغالاتكم.. مما يؤدي إلى تمديد القتل والدمار والخراب في سوريا.. ومزيد من النعوش القادمة إلى لبنان!!..

مهلا.. عبارة “إذا مش عاجبك فلّ”.. لم تكن موفقة أبدا.. اللبنانيون ليسوا نزلاء في بيت أحد.. وليسوا لاجئين ولا “مرابعين”.. ليُطلب منهم إخلاء المأجور والرحيل.. “الله يعمر بيتكم”!!!…