من سايكس – بيكو إلى كيري – لافروف

د. صلاح أبو الحسن

 

في شباط 1916، تمّ توقيع إتفاق سايكس – بيكو.. بعد مائة سنة يبدو أننا على أبواب توقيع إتفاق جديد يحمل بصمات أميركا وروسيا.. الإتفاق القديم كان “سياسياً” وشاركت فيه بريطانيا وفرنسا وروسيا..

الإتفاق الجديد: جغرافي – سياسي، بل هو جغرافي أكثر مما هو سياسي.. حيث سيكون هناك خرائط جديدة تتناول الشرق الأوسط برمته.. يبدو أن دول سايكس – بيكو إنتهت!!…

ومن الغباء الإعتقاد أن هناك تبايناً أو خلافاً بين الولايات المتحدة وروسيا.. لجهة الخرائط الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، وما يحدث في المنطقة من سوريا إلى العراق إلى اليمن ليس صدفة.. فهما يرسمان خرائط الحرب وخرائط الاقتتال وخرائط التهجير في سوريا وفي المنطقة..

فالروس وحلفاؤهم الإيرانيين ومرتزقتهم.. يشرفون مباشرة على سير المعارك، فيما النظام السوري يتولى الانتشار على الأرض إستناداً للخطة المرسومة.. ولقدرة النظام على إدارة وإمساك المناطق التي يحررها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله بغطاء جوي من الطيران الروسي..

النظام السوري وجيش النظام آخر من يعلم.. والانتصارات تُنسب إليه حيث يجب..

لذلك، فإن الأرض التي سيحررّها الروس والإيرانيون.. لن تتعدّى قدرة النظام على إدارتها.. وهي قدرات متواضعة ولا تتعدّى ما يُعرف بـ”سوريا المفيدة”.. حسب تعريف بشار الأسد، أو “الفيديرالية العلوية” حسب التعريف الروسي.. فالنظام لم يعد قادراً على حكم أو إدارة سوريا موحدة.. فسوريا القديمة التي نعرفها “أعدمها” بشار ونظامه وحاشيته..

ولذلك، قفز الروس بشكل سريع، ولكنه مرسوم مسبقا وبدقة إلى الخطة “ب” اي الفيديرالية.. أو بشكل أدق: التقسيم.. أو الدولة “الاتحادية”..

الأميركيون لم يشيروا مباشرة إلى تقسيم سوريا بل مداورة.. فالمدير السابق لـ”سي آي إي” مايكل هايدن تحدّث عن “تغييرات إقليمية كبيرة وإنهيار حدود سايكس – بيكو”.. يعني رسم حدود جديدة.. وقيام دول جديدة.. سوريا القديمة كما العراق واليمن وغيرها إنتهت..

سايكس - بيكو

إنه المشروع الأميركي الإسرائيلي القديم يتجدّد اليوم.. وقد إنضم إلى المشروع الجديد – القديم روسيا والجمهورية الإسلامية الايرانية بعد الإتفاق النووي..

وليس صدفة أن اصحاب هذا المشروع هم أكثر المستفيدين من وجود تنظيم “داعش” قوي.. وأكثر المستفيدين من الفرز السكاني على أساس مذهبي وطائفي وعرقي.. وأكثر الرافضين لعودة النازحين واللاجئين.. “الجغرافيا الجديدة” تقتضي ذلك..

وليس صدفة أن يحذّر سيرغي لافروف، أو يمهّد، من أن الإرهاب يهدّد بـ”تفكيك الشرق الأوسط”.. وللتوضيح فقط، فإن كل الشعب السوري المعادي للنظام “إرهابي”.. حسب التعريف البوتيني واللافروفي..

أفضل وأصدق من عبّر عن ذلك، كان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، عندما قال: “هل يريدون (الروس) حلاً سياسياً أم يريدون تغيير التوازن على الأرض وإنجاز حل عسكري وتأسيس دولة صغيرة (جيب جغرافي) للنظام في شمال غربي سورية”؟؟..

ويضيف هاموند: “روسيا تساعد الأسد على إقامة دولة علوية على الساحل السوري. وإذا كان هذا هو الهدف الأدنى لموسكو لتثبيت نفوذها في سورية، وسبق أن طلبت من إسرائيل عبر علاقتها الخاصة بها عدم التخريب على قيام دويلة كهذه، فإن موسكو باتت تطمح إلى أكثر من ضمان الدويلة و”سوريا المفيدة” تحت سيطرتها وإدارة نظام الأسد”..

أما “هدنة” دي ميستورا فمن الواضح أنها لا تُطبق إلا على المعارضة المعتدلة.. فيما الطيران الروسي وطيران النظام وحزب الله، خارج الهدنة.. ولا يلتزمون بوقف إطلاق النار.. والمنظمات الإنسانية تؤكد أن جميع القتلى الذين سقطوا خلال أيام الهدنة الخمسة، هم حصرا من المدنيين في مناطق تواجد المعارضة السورية.. والسؤال كيف يلزم الروسي بشار الأسد والمرتزقة الذين يقاتلون إلى جانبه، أن يلتزموا بالهدنة فيما هو يخرقها يوميا..

في سوريا، ومنذ إعلان الهدنة، الغريب أننا لم نعد نسمع عن معارك مع تنظيم داعش.. لا برا ولا جوا.. ولا نرى أية معارك يخوضها هذ التنظيم.. ضدّ قوات النظام..

وفي لبنان، لا تزال وتيرة التصعيد من قبل حزب الله ضد المملكة السعودية تتزايد، والحزب مستمر في التوتير مع كل دول الخليج.. على قاعدة الحرب “الاستباقية” السياسة، حيث لم يعد أحد، في لبنان والعالم، يناقش تورطه في الحرب السورية.. ولا خرقه للهدنة.. فالحرب السياسية على السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، أشاحت النظر عن تورطه في سوريا واليمن والعراق.. وإنطفأ الكلام عن دوره في اليمن وتدريبه للحوثيين المثبت صوتا وصورة، لشن عمليات “ارهابية” ضد السعودية ودول الخليج..

مشكلة حزب الله مكابرته وعهر بعض أبواقه خاصة الأقزام منهم.. الذين هم على دين ملوكهم.. والحزب للأسف لا يرى عوراته على كثرتها وتعددها.. ولذلك نراه يتهم غيره بما هو فيه..

ينسى أنه جندي في ولاية الفقيه وأنه دمية إيرانية وأنه يقاتل في سوريا ضد إرادة اللبنانيين وأنه يناصر حاكم مستبد يقتل شعبه وأنه طمعا بـ”الجنّة” دمّر سوريا وذبح شعبها وأنه تخلّى عن أسباب وجوده في قتال العدو الإسرائيلي.. وأنه تحوّل إلى قتال العرب تلبية لارادة الفرس.. وأنه يتناسى العلاقة الحميمة بين إيران و”القاعدة” وأنه يتناسى صور أحمدي نجاد مع الحاخامات اليهود وأنه نسي “الشيطان الأكبر” الأميركي وأنه يقيم دولة وجيشا على حساب الدولة وقواتها المسلحة.. وأنه يعطّل انتخاب رئيس للجمورية ويعطّكل مؤسسات الدولة.. وأنه لا يهتم للاقتصاد الوطني بعدما تأمنت حصته إثر الإفراج عن المليارات الإيرانية عقب الإتفاق النووي..

ولكن عليه ألا ينسى، أنه بعد توقيع الإتفاق النووي وتحول الولايات المتحدة إلى صديقة لاسرائيل وإيران وإنتقال شعار الموت لإسرائيل إلى الموت للسعودية.. ولم نعد نسمع ولن نعود إلى سماع الشعار الإيراني الشهير “محو إسرائيل عن خريطة الشرق الأوسط”..

نعم يبدو أن بعض الشعارات الرنانة باتت من الماضي الغابر.. وإيران بعد الإتفاق النووي غير إيران “الثورجية”.. إيران “تصدير الثورة” ماتت وستنتقل إلى دولة إقليمية “إستراتيجية” لها مصالحها الوطنية والقومية.. فإلى متى سيغرّد حزب الله على وتر إيران القديمة.. نعم، الضرب في الميت حرام..

كيري_لافروف

عودوا إلى لبنانية موسى الصدر المعتدل، إلى الحسين “إمام المستضعفين”.. فالجنة لا تستقبل القتلة.. عودوا إلى العقل..

عودوا إلى الامام محمد مهدي شمس الدين: “وصية للشيعة في لبنان وفي كل مكان، أن يندمجوا في أوطانهم كمواطنين”.

عودوا إلى محمد خاتمي ودعوته إلى “الحوار والإقرار بخصوصيات الآخر والإعتراف الرسمي بحق الإختلاف”.. وقوله: “إن لبنان يمثل اليوم موئل الحضارة والثقافة العربية. وهو عروس جميلة في هذه المنطقة، والدم اللبناني يجري في عروق أولادي”.

علّنا نستطيع حماية لبنان من “الدويلات المفيدة” الزاحفة إلى المنطقة.. وننجوا من إتفاق كيري – لافروف..