الاتفاق النووي و “الشيزوفرانيا” العربية!

هشام يحيى

غريب أمر العرب الذين يعيشون حالة من الذهول امام مسار المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي الإيراني وكأن العرب ” ناموا في غفلة واستفاقوا فجأة ” ليجدوا أنفسهم أمام كابوس الاتفاق النووي مع إيران الذي سواء ابرم خلال الأيام القليلة القادمة أو تأجل قليلا إلا أن كل ذلك لن يؤثر كثيرا أمام الواقع الجديد الذي رسمته المفاوضات الأميركية الإيرانية لناحية أن مرحلة التعاون والتواصل والتباحث العلني والسري بين العم سام الأميركي ونظام المرشد في إيران على قاعدة تبادل المصالح وحاجة كل طرف إلى الآخر ق انطلق ولن يتوقف سواء فرحوا العرب أو غضبوا أو هلل بعضهم  شماتة بالبعض الآخر من العرب.

فالعرب المتعاونين في العلن والسر مع أميركا منذ عقود طويلة تحت عنوان الصداقة وتبادل شتى المنافع النفطية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وأن في أحيان كثيرة على حساب مصالحهم الآنية ومصالح شعوبهم هم أنفسهم اليوم من يعيش اليوم  حالة من الحسرة العميقة  و الخيبة الكبيرة بسبب كيف ان الأميركيين قد فضلوا الإيرانيين عليهم وهم الأصدقاء والخلان والأحباب الذين لا يجوز أبدا في قاموسهم العربي البدوي الساذج أن يستبدلهم الأميركيين في ” ليلة ليلاء ” بأي صديق آخر في المنطقة.

أما العرب المعادين لأميركا ويتهمونها بأنها علة الأزمات التي يتخبطون بها منذ نشأت الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين وحقوق شعبها هم أنفسهم العرب الذين يحبون إيران ويحبون أحيانا تركيا وأحيانا أخرى روسيا، يهتفون في بعض الأوقات لأميركا بخلفية المنادي المستغيث للتدخل في بلدانهم لإنقاذهم من مهالك القمع والقتل والفتك التي يتعرضون لها من أبناء جنسهم العربان الذين لا تأخذهم الشفقة ولا الرحمة بإخوانهم من أبناء بلدهم عندما يتعلق الأمر بمواضيع الحكم والسلطة والنفوذ والمال.خصوصا أن هذه المواضيع الخلافية التي لا يساوم عليها الحاكم العربي إلا مع الأجنبي الطائمع والمستعمر كانت ولا تزال سببا رئيسيا دائما لدسائس العرب ومؤامراتهم على بعضهم البعض ، و العلة الأساس في  تعميق انقساماتهم  و استعار عبثية صراعاتهم الدامية والمدمرة ،  والتي كانت أيضا على مر العصور والأزمنة المصدر الذي يعبر من خلاله تدخل الآخرين في شؤونهم واستغلالهم ونهب ثرواتهم والسيطرة عليهم ليبقوا ضعفاء عاجزين غير قادرين على التطور والتقدم حتى اشعار آخر.

لذلك في صداقة أميركا ومعاداتها او حتى في الصراع مع إيران وغيرها مع القوى الإقليمية الطامحة إلى تعزيز دورها وحضورها ونفوذها في المنطقة على حساب الضعف العربي هناك نوع من “الشيزوفرانيا العربية” التي تزيد من هول مأساة العرب وجعلهم وقودا دائمين للعبة الأمم الجهنمية خصوصا أن هذه “الشيزوفرنيا العربية” بتناقضاتها وانفصاماتها البائدة لا مكان فيها للمصالحة العربية ولا مكان فيها للغة المصالح العربية المشتركة بل فيها دائما بحث عن الإستقواء بالخارج لخلق الدور الداخلي وهذه علة ضعف العرب وتراجعهم الذين لم يعوا بعد كل هذه السنوات الطويلة من التأخر والتخلف في أنه لا يوجد صداقات و لا علاقات متينة في العلاقات الدولية والإقليمية بين الدول والأمم ،  بل يوجد فقط مصلحة دائمة هي التي على أساسها تتبدل الصداقات والعلاقات.

 والمصلحة الدائمة في لغة العلاقات الدولية والإقليمية لا تأخذ أي اعتبار للمنقسمين  الضعفاء بل فقط تستخدمهم وتستغلهم دائما في حلبة الصراعات الدولية والإقليمية و التي غالبا ما تنتهي ويلاتها وهول مأساتها وتسوياتها المشبوهة على حساب هؤلاء المنقسمين الضعفاء وهذا هو واقع حال العرب الذين يعيشون اليوم مع الاتفاق النووي الإيراني أسوأ تداعيات “الشيزوفرانيا العربية” التي تريد صداقة أميركا بينما لا تريد أميركا صديقة لايران، والتي تريد في مكان ما أن تحارب إيران مع أميركا في حين أنها تجد في المقابل بأن إيران التي تفاوض أميركا هي إيران التي تريد استعادة وهج توسع وتفوذ الإمبراطورية الفارسية في قلب العمق العربي امتدادا من صنعاء مرورا ببغاد ودمشق ووصولا إلى بيروت.

أن علة ما يشكو منه العرب سببه السياسيات والإستراتيجيات التي تتحكم بها “الشيزوفرانيا العربية” المرضية التي فرضت إيقاعها الهزيل المتناقض على جميع القضايا العربية بدءً من القضية الفلسطينية ووصولا إلى القضية السورية والعراقية واليمنية واللبنانية والمصرية والليبية وغيرها من القضايا العربية الراسخة بمساراتها والحاضرة فيها دائما تلك “الشيزوفرانيا العربية” بكل تناقضاتها و بشتى عواقبها الوخيمة على وحدة العرب وقوتهم.فهذه “الشيزوفرانيا” الماثلة في المواقف المتناقضة التي يعبر عنها القادة العرب والتي على سبيل المثال  تارة في تأييد ومهادنه أميركا  وتارة أخرى معاداتها والتآمر معها،  قد قادت الدول العربية بشعوبها ودولها ومؤسساتها وجيوشها إلى هذا الدرك من الانحطاط والضعف والإرباك والانقسام مع العلم بأنه لم يكن ينقص العرب شيء خلال العقود الطويلة في أن يكون لديهم الخطط والرؤى النهضوية والتقدمية  القادرة على بناء الدولة العربية الديمقراطية الحديثة الحاضرة الجاهزة لمواجهة كل التحديات والمخاطر الداهمة المهددة لمصالح العرب وحريتهم وسيادة بلدانهم.

لذلك ليس مبررا و وغير مقبول هذا البكاء والعويل من بعض الحكام العرب على المصير والمستقبل المجهول بسبب الاتفاق النووي الإيراني  بينما هؤلاء الحكام هم أنفسهم من يتحمل المسؤولية الكاملة عن ما وصل إليه الحال العربي… وبالتالي لا بد من الاعتراف كمثقفين ونخب عربية بأن مشكلة العرب أولا وأخيرا هي مع حكامهم وأنظمتهم قبل أي شيء آخر ، و ليس أبدا صحيحا  بأن مشكلة العرب هي مع الإيرانيين أو مع الأميركيين الذين شأنهم شأن اي قوة دولية أو اقليمية تنمو وتسعى إلى التوسع وفرض السيطرة والنفوذ حيث تستطيع تحقيق ذلك ، فهذه هي شريعة القوة التي تسود العلاقات الدولية والتي هي أقوى من كل القوانين والشرائع والمؤسسات الدولية التي تحاول أن تضع الضوابط التي تبقى شكلية وغير مؤثرة بمسار العلاقات الدولية التي تتحكم فيها فقط لغة المصالح التي يتحدد مداها على ضوء القوة  وليس على أساس معايير الحق والعدل أو أي معايير انسانية او اخلاقية أخرى.

اقرأ أيضاً بقلم هشام يحيى

لهذه الأسباب لن ينالوا من وليد جنبلاط وحزبه وجبله!

الوفاء لقضية الشهداء…

قاتل الأطفال هو نفسه في غزة وحلب!

قناة التشبيح والأشباح!

ظاهرة التعنيف من أسباب تخلف مجتمعاتنا!

لبنان والمحاسبة السياسية

هل هو نبش للقبور أم تزوير للتاريخ؟

ميشال سماحة والمصير البائد

لبنان وقدر لعبة الأمم

ليس دفاعا بل انصافا للحقيقة ولوليد جنبلاط

6 كانون ثورة متجددة في عالم الإنسان

#الحراك_والاستقلال

ميثاقية أم غوغائية انتحارية؟!

#طفلة_الصحافة_المدللة

التدخل الروسي: آخر أيام الطاغية

#بدو_كرسي_لو_عمكب

ماذا يعني أن تكون “معروفيا” عربيا؟

معركة القلمون و”شيعة السفارة”

النخبة الممانعة وخطايا النظريات القاتلة..!

” توترات السيد”..!