الطاغية والإستبداد
منير بركات
29 سبتمبر 2015
تفتحت شهيتنا بعد إستخدام الرئيس الأميركي باراك أوباما كلمة طاغية في توصيف بشار الأسد في حين أن الولايات المتحدة في كثير من الأحيان غير بعيدة عن صناعة الطغاة وإستخدامهم على حساب الشعوب.
إذا أردنا تحديد الطاغية وسلوكه وأسلوبه للاحتفاظ بالسلطة وممارسة الاستبداد السياسي يمكننا الاختصار بما يلي:
– الغاية النهائية للطاغية، لكي يحتفظ بعرشه، هي تدمير روح المواطنين، وزرع الشك وإنعدام الثقة فيما بينهم، وجعلهم عاجزين عن عمل أي شيء، وتعويدهم العيش بلا كرامة، بحيث يسهل عليهم أن يعتادوا الذل والهوان.
– القضاء على البارزين من الرجال، وأصحاب العقول الناضجة، وإستئصال كل من تفوق أو حاول أن يرفع رأسه بإسم “طريقة التطهير”.
– منع المواطنين من التجمع لأغراض ثقافية أو سياسية أو مدنية خارِج السيطرة، أعني قطع الحبل السري الذي يربط المواطن بوطنه!
– يجتهد الطاغية حتى تكون لديه معلومات منتظمة حول كل ما يفعله رعاياه أو يقولونه. اعني شرطة سرية وجواسيس وعيون يبثها بإرجاء البلاد.
– كذلك يعتمد الطاغية على إغراء المواطنين أن يشي بعضهم بالبعض الآخر، فتنعدم الثقة بينهم، ويدب الخلاف بين الصديق وصديقه وهكذا فإن الطاغية يبذر النميمة والشقاق.
– وأخيرا، هناك وسيلة أخرى للطاغية هي إفقار رعاياه لكي ينشغلوا بلقمة العيش فلا يجدون وقتاً للتآمر عليه أو للثورة.
وفضلا عن ذلك كله، فقد يلجأ الطاغية إلى إشعال الحروب أو التهويل بها بإسم الممانعة أو مجتمع الحرب الخ.. بهدف إشغال المواطنين بصفة مستمرة، ويبقون بحاجة إلى قائد على الدوام.
إن الطاغية يسير على المبدأ التالي: “إن الناس جميعا يودون الإطاحة به، غير أن الأصدقاء وحدهم هم الذين يستطيعون ذلك”. ومن ثم فينبغي أن تنعدم الثقة في الأصدقاء قبل غيرهم.
لهذا السبب أيضا نجد الطاغية يختار الفاسدين من البشر في نظام حكمه ليكونوا له أصدقاء، فهم عبيد النفاق والتملق، والطاغية تسره المداهنة، وينتشي من النفاق. فالرجل الخير يمكن أن يكون صديقا، لكنه لا يمكن تحت أي ظرف أن يكون مداهناً أو متملقا.
أما الرجل السيء فليس لديه الإستعداد للقيام بهذا الدور فحسب، وإنما يسعى إليه. إنه: “أداة حسنة لأغراض شريرة”.
من عادة الطاغية ألا يحب رجلا ذَا كرامة، أو رجلا شريفا ذَا روح عالية أو صاحب شخصية مستقلة. ذلك لأن الطاغية يدعي أنه يحتكر لنفسه هذه الخصال الحميدة. ومن ثم يشعر أن أي إنسان شريف صاحب كرامة إنما يزاحمه في الجلال والإباء أو يحرمه التفوق والسيادة، فذلك إعتداء على سيادته بوصفه طاغية.
إن المعيار الذي يميز حكم الطاغية هو إنعدام الرأي الآخر، ولهذا فإن جميع أنظمة الحكم غير الديمقراطية هي أنظمة طغيان أو إستبداد بطريقة أو بأخرى، فليست العبرة بما يقدمه الحاكم الملهم من أعمال مجيدة، فقد يبني السدود، ويقيم الجسور، وينشئ المصانع، لكنه في النهاية يقتل الإنسان! يدوس كرامته وقيمه ووجوده كإنسان! إنه يدمر “روح المواطن”.
إن الطاغية لا يتورع عن إرتكاب المجازر الجماعية والتهجير الشامل من أجل الحفاظ على سلطته ولو على أنقاض التصحر وعلى الأجساد المقطعة والطبيعة المحروقة، لقد صدق الأميركي في توصيف الأسد لكنه فقد الثقة بمصداقيته.
—————————-
*رئيس الحركة اليسارية اللبنانية