الموحّدون الدروز: المخاوف من إطاحة الوطن

منير بركات

لن أدخل في تاريخ الموحدين الدروز ودورهم المشرف ككتلة عربية اصيلة وصلبة، خاضت معارك التحرر الوطني في ليبيا وسوريا ولبنان وفلسطين، في الوقت الذي سطّرت فيه القبائل العربية التوحيدية صفحات مضيئة في حماية الثغور دفاعاً عن الأمة العربية والإسلامية بمجملها في مواجهة الغزوات والأطماع الأجنبية، لتستحق لقب سيف العروبة والاسلام. وليضاف إلى تاريخها روافد من المحطات والمواقف القومية والوطنية لاسيما الانتصار للقضية الفلسطينية والانخراط في معارك الاستقلال الوطني بمراحله المختلفة خاصة في سوريا ولبنان.

إن أهم عناصر جبروت وقوة طائفة الموحدين الدروز تماسكها الداخلي والارتقاء إلى مستوى القضايا الكبرى ورفض انسلاخها عن محيطها العربي والتصدي لمحاولات التطبيع الاسرائيلية .

نسجل للقيادة السياسية المعاصرة مسيرتها المنفتحة على رحاب الوطن والامة بعيدا من التزمت والتقوقع والتي بدأها شهيد استقلال لبنان وعروبته وشهيد فلسطين كمال جنبلاط بتأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي مع مجموعة من النخب المتنوعة وعلى امتداد الوطن وحرصه على التعدد والتنوع والحفاظ على ميزة لبنان الحضارية والذي وضع في أولوياته مواجهة الظلم الاجتماعي ومخاطبة مختلف الفئات الاجتماعية بلغة انسانية ومبدئية ارتباطاً بفكره ووعيه وثوابته وأهدافه المنشودة .

إلا أن أهم الإنجازات التي حققها داخل طائفة الموحدين الدروز واستكملها النائب وليد جنبلاط هو تذويب معظم التناقضات التاريخية في الطائفة لكي تصبح التصنيفات القديمة شريكة اساسية في قيادة الحزب ومعظم كوادره وكتلته النيابية وتمثيله الوزاري وفي المواقع الادارية الرسمية وغيرها. لقد كرس النائب وليد جنبلاط التيارات السياسية في الجبل بمختلف مشاربها قوميين وبعثيين وشيوعيين والتعاون والانفتاح الجديد مع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والوطنيين الاحرار وغيرهم على قاعدة المصالحة، إلى جانب تيار المستقبل والجماعة الاسلامية. وتعود بي الذاكرة كيف احتضن الشيوعيين في ظل حملة الإبادة التي تعرضوا لها في مختلف المناطق ولم يأمنوا من عقد مؤتمرهم الخامس في الثمانينات الا في بلدة بعقلين – الشوف بحماية كريمة من الزعيم وليد جنبلاط .

لذلك يتبين للمؤرخ والقارئ والمراقب كيف تلوثت معظم الطوائف في القتال الداخلي والانقسامات التناحرية المؤسفة، بينما لم تسجل طيلة فترة الحروب وما بعدها إلا أحداث فردية محدودة في اوساط الطائفة الدرزية، ولم تنجح أية جهة من إحداث فتنة داخلية. وكل ذلك بحكمة وليد جنبلاط وسعة صدره وامتصاص كل الحالات الموجهة واستيعاب الجميع على قاعدة تشريع التنوع والتعدد وحق الاختلاف، وبذهنية تحكمها آفاق متنورة ترتقي إلى مستوى الحرص على السلم الاهلي ومشروع الدولة وتطبيق العلاقة الجدلية المتوازية ما بين وحدة الطائفة والوحدة الوطنية دون أن يلغي الاهداف الاستراتيجية القائمةً على التغيير وتحقيق نظام المواطنة والدولة المدنية.

إن تعاطي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط المرن مع الظواهر الاستعراضية الغريبة عن مجتمعنا وبيئتنا، ليس عجزاً أو ضعفاً، بل هي شجاعة الكبار لتفويت الفرصة على الصغار واهداف مراكز القرار في إشعال الفتن الداخلية وإراقة الدماء. ولكن إلى متى سيتمكن رئيس الحزب التقدمي الاشتركي من لجم التوتر والغليان والاحتقان الذي يسود الأوساط الشعبية الواسعة نتيجة الاستفزازات العلنية المقرونة بإسفاف الخطاب السياسي .

فليعلم القاصي والداني بأن ما يحصل هو مسؤولية الجميع، وفي الدرجة الاولى مسؤولية الدولة المستهدفة الأساسية من فرض الامر الواقع والتحديات المستمرة مروراً بالتهديدات والاستقواء بالحكم واستخدام ادوات طائفية وفئوية رخيصة، وصولاً إلى تكريس نهج التعطيل الانتظاري الواهم لوضع اقليمي سوري حاسم!؟

على الحركة الشعبية اللبنانية الضغط على الدولة بحركة مطلبية سلمية لتحقيق المطالب وتحسين شروط المعيشة ومعالجة الملفات البيئية والاقتصادية وغيرها، وتجاوز التلهّي بالمواقف الظرفية العابرة.

ويبقى التحدي في التصدي لرأس الفتنة وأدواتهها، ولغربة الحكم عن ابنائه بهيمنة عشائرية إقصائية فاسدة رعناء تهدد لبنان وشعبه والإطاحة بمكونات وأسس الدولة والوطن.

 

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم منير بركات

طلّة راقية في ذكرى مولده

لن يتمكنوا من تغيير هوية الجبل ووجهه

التحذير الفرنسي للبنان شبيه بتحذير السفير الفرنسي قبيل اجتياح 1982!؟

مفهوم الدولة وشروط تكوينها 

مكامن الخلل في تجزئة الحرية؟

أهل التوحيد والتاريخ المجيد… غادروا الماضي واصنعوا المستقبل !؟

الألفية التاريخية للموحّدين الدروز

تحفّزوا بالقامات الكبيرة يا حديثي النعمة!؟

بعيداً من التبسيط.. البلد على حافة الهاوية!؟

العقوبات غير المسبوقة تصيب مقتلاً في النظام الإيراني

مبادرة “التقدمي”: خطوة متقدمة لحماية الحريات العامة

على الرئيس المنشود ممارسة القمع لكي يكون مرشح الناخب الأول!؟

تلازم الفاشية مع الطائفية ومأزق الحكم

أين المصير الواحد والبلد الواحد واللغة الواحدة من كل هذا؟

المطلوب وقفة موحدة ضد النظام!

الشعوب ضحية الأطماع الدولية والأسد فقد دوره الأقليمي

بلورة المشروع الوطني المعارض

رسالة الى رئيس الجمهورية

الاطاحة بالطائف يعيدكم الى حجمكم!؟

تذويب الانقسام التاريخي لمصلحة الوحدة الداخلية