إجتياح النفايات
منير بركات
30 يوليو 2015
يمارس إنسان اليوم على البيئة إعتداءات كثيرة تفوق من حيث طبيعتها ونطاقها ما كانت تمارسه الأجيال السالفة. التقدم التكنولوجي أدى الى فقدان الاتصال بالطبيعة وبيئة الحياة التقليدية، والقطيعة المفاجئة مع الماضي، ونبذ التقاليد العريضة- على ان تثير في نفس الانسان الحديث مشاعر القلق والأفتقار إلى الجذور.
إن وتيرة النمو في البلدان المتقدمة تقنيا منذ قرابة الخمسين عاما يقتضي استمرارها زيادة كبيرة في الاستهلاك مقرونة بخفض مدة بقاء السلع ومن خلال فتح أسواق جديدة وإيجاد احتياجات جديدة وتلبيتها باستخدام الدعاية. فلكي يزيد الاستهلاك، يجب ان تنقص بإضطراد مدة بقاء ما يستهلك وانعكس ذلك على كل شيء بالتدني النوعي للصناعة والبناء وأي سلعة حياتية أو كمالية أخرى من السيارات وصفائحها الرقيقة الى الأبنية التجارية وعمرها المحدد المتناقضة مع الاثار والتاريخ لتصبح هذه المسألة وليدة تأريخ الرجل الفرد ومؤسساته الذي يسخى عليها في جودتها من اجل تخليد نفسه على حساب ثقافة الشعوب وتراثه تماما كما حصل في أسواق بيروت وغيرها. كل شيء أصبح قابل للصدأ السريع والتصدع وقابل الى التلف.
الا ان المفارقة بأننا نتحول في لبنان الى مجتمع من النفايات مع انخفاض في النمو والسبب الأساسي في التلوث السياسي القائم على الفساد، بينما في بلدان التطور التكنولوجي في العالم الغربي بالرغم من المسؤولية غير المباشرة عن كل ذلك يحمي نفسه بفائض الانتاج وارباحه لكي يخفي مظاهر النفايات المباشرة. انهم في الغرب يحاولون معالجة تراكم النفايات نتيجة لتسارع عمليات الانتاج والاستهلاك.
إذ كيف يمكن التخلص من النفايات بلا ضابط والتي من ابرزها تكاثر طرح السيارات المستهلكة بلا عقاب او رادع؟ وكيف السبيل الى احتواء الكم الهائل من الفضلات الذي تخلفه المجتمعات بمعدل يتجاوز، كمّا في الولايات المتحدة مثلا عشرين مرة وزن الفرد في السنة؟ وما العمل إزاء ٧٥٠ الف سيارة و٥٠٠ الف متر مكعب من الأجهزة المنزلية العاطلة كل سنة في فرنسا؟ انه يتعين، كضرورة لا بديل عنها إذا اريد الاقتصاد في الموارد الأولية والتخفيف من حدة مشكلة النفايات، استعادة هذه النفايات، وفرزها واستعادتها ومعالجتها وإعادة استخدامها. فمن المعروف الان انه بالنسبة الى بعض المواد الأولية النادرة ستكون تلك النفايات بمثابة مناجم الغد.
علينا أخذ العبر من الآخرين ومشكلتنا اقل بكثير مما كانت تعانيه هذه البلدان لذلك على مجتمعنا أن يطلق بنفسه آليات تنظيمه فمن المرجح ان يزيد الأزمة الأنفجار الديمغرافي، ويعد اتجاه الموارد نحو الندرة وارتفاع القيمة وكذلك التدهور البيئي لذلك علينا ارجاءههم، ولكن لا يمكن تلافيهم. اقلها على الجميع التصدي للمعضلات المباشرة لا سيما مسألة النفايات التي اصبحت تختزن التعبير المكثف عن الأزمة التي يعانيها لبنان على مختلف المستويات.
———————————-
(*) رئيس الحركة اليسارية اللبنانية