لاريجاني أحرج الحلفاء والخصوم

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الى بيروت في 23 ديسمبر 2014، كانت مثار جدالٍ سياسي واسع، لم ينته حتى اليوم. ذلك أن رئيس السلطة التشريعية في طهران، والمُتمرِّس في المياديين الدبلوماسية، كان أقرب إلى صورة الموفد الذي يحمل رسائل مُتشدِدة، وبعيد إلى حدٍ ما عن صورة القائد الليبرالي البرلماني التي تحمل عادةً سمات المُرونة والحوار والانفتاح على الجميع.

توقيت زيارة لاريجاني الخاطفة لها دلالتها المُتعدِدة، على إعتبار أن المنطقة تمرُّ بمخاضٍ مؤلِم، لا أحد يعرف ماذا يمكن أن ينتُج عنه، وهي جاءت بعد زيارته إلى العراق وسوريا، كأنها “طلَّة” على الموالين، أكثر مما هي زيارة دولة. وما يُفقِد الزيارة رسميتها، إقتصار برنامجها على الحُلفاء المُقرَّبين – اذا ما إستثنينا لقاءه البروتوكولي مع الرئيس تمام سلام – فهو لم يُقابل أي من القيادات المسيحية قط، ولا أي من القيادات الوطنية أو الاسلامية التي لا تدور في الفلك الإيراني. حتى لقائه مع الأساتذة والطلاب في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية في الحدث، يأتي في المساحة السياسية ذاتها، وحضور لقاء الحدث إقتصر على مُناصرين ينتمون بمُعظمهم إلى حزب الله.

أمَّا تصريحات لاريجاني السياسية فقد تماشت تماماً مع شكليات الزيارة، من حيث كونها عبَّرت عن التأييد للسياسة المحورية التي يتبعها حلفاء إيران. وبدى جزءاً أساسياً من كلامه السياسي مديحاً للحلفاء، ولمكانتهم في المُعادلاة العسكرية في المنطقة، ولم تُغطِّ إشارته إلى دعم الجيش، ولا إلى التشاور مع فرنسا حول الفراغ الرئاسي، على السياق العام التعاضُدي مع الموالين لإيران. ذلك ما إستنتجه المراقبون من لقاءاته مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ومع بعض الفصائل الفلسطينية، ومع نظيره اللبناني الرئيس نبيه بري الذي إستضافه بحكم الزمالة البروتوكولية، وإلتقاء بصفة الحليف والزميل في آنٍ واحد.

إشارة لاريجاني إلى تأييده للحوار بين حزب الله وتيار المُستقبل، لم تُقنِع المُستقبليين الَّذين أصدروا بياناً إنتقدوا فيه تصريحات لاريجاني، لا سيما في الشق الساخن من هذه التصريحات الذي أثار مخاوف وتساؤلات مُتعددة، وقد تكون تصريحاته أحرجت الحلفاء، كما هي أغاظت الخصوم على حدٍ سواء.

إن إعلان لاريجاني أن حزب الله مؤثِّر في المنطقة اكثر من الدول، إعلان ثقيل على القوى السياسية والشعبية في لبنان، وهو يُحرِج الحزب في هذه المرحلة بالذات، لأنه يوسِّع من دائرة خصومه، ومُنتقديه، ويُسلِّط الضوء على دوره المُستقبلي في ظلِّ تنامي حلقة أعدائه السياسيين والعسكريين، ويضعه في مكانٍ مليء بالاحراج مع حلفائه، خصوصاً على الساحة المسيحية الذين يتخوفون على مستقبل دورهم، وعلى مستقبل مكانة الدولة.

أمَّا أخصام حزب الله، فقد إستثارهم التصريح إلى حدودٍ بعيدة، وهم يتداولون فيه سراً كونه تهديد واضح لمستقبل دور الدولة في لبنان، وكونه إشارة واضحة الى نوايا مُبيته، قد تحمل مخاطر تُشبه ما حصل في اليمن. وهؤلاء الاخصام تجنَّبوا الاثارة الإعلامية للتصريح إحتراماً للحوار القائم بين تيار المُستقبل وحزب الله، برعاية الرئيس نبيه بري ورئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط.

على عكس ما تتناقله بعض وسائل الإعلام، حول حوار يجري بين بعض دول المنطقة الفاعلة وإيران، وتحديداً بين الرياض وطهران، لا يبدو أن هناك تفاهمات واضحة حتى الآن، والمبادرة الروسية التي سعت إلى تقريب المسافات بين أطراف النزاع في سوريا والمؤيدين الخارجيين لكُلٍ منهم، لم تثمِر، وهي إصطدمت بتشدُّد واضح من حلفاء النظام في سوريا.

في ذات الوقت لا يمكن تجاهل التفاهم غير المُعلن بين القوى الكبرى الدولية والإقليمية على تحييد لبنان عن النزاعات الحامية المُحيطة به، وقد بدت تأثيرات هذا التفاهُم واضحة من خلال الحوار الذي بدأ بين تيار المستقبل وحزب الله، وفي الإتفاق على دعم الجيش اللبناني الذي يُشكل ضمانة لهذا التحييد.

هل يمكن إنتاج مُعادلة جديدة للصراع في المنطقة، تقضي بالتفاهُم على ملفات والاختلاف على ملفاتٍ أُخرى في ذات الوقت؟

الأوساط الساسية المُتابعة تُبدي شكوكاً حول نجاح هذه المُقاربة، لأن الترابط بين الملفات قائمٌ على وتيرةٌ عالية، والجانب الإيراني مع قوى فاعلة في العراق مع النظام في سوريا ومع حزب الله، لم يُقدِّموا ما يُشير الى تراجع عن التمسُّك ببقاء النظام في سوريا، بالمُقابل فإن الأطراف المُقابلة لا ترى أية إمكانية للتفاهم، ولعزل الملفات عن بعضها، إذا لم يتراجع محور “المُمانعة” عن رؤيته المُتشدِدة، والتي تُعطي الفرص لأخصامهم المُتطرفين، وللمنظمات الإرهابية لكي تُعزز نفوذها في العديد من الأماكن، لا سيما في العراق وسوريا ولبنان.

وما يُلقي شكوكاً حول مُستقبل الحوار، وحول نجاح فصل المسارات المُتوترة عن بعضها، وبالتالي تحييد لبنان، هو المعلومات المُتداولة عن قيام المقاومة بتدريب أعداد كبيرة من الشبان من أنصارها المُنتمين إلى أحزابٍ حليفة للنظام في سوريا. وتؤكد أوساطاً عليمة في هذا المجال، عملية توزيع أسلحة جرت على وتيرة عالية في الأسابيع الماضية، خصوصاً في مناطق العرقوب وحاصبيا وراشيا والبقاع الغربي.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل