زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة اللبنانية الى موسكو في 11 و12 سبتمبر 2017، لها دلالات واسعة، وأهدافها مشروعة، ولها مبرراتها السياسية والاقتصادية والأمنية الواضحة، وهي مدروسة في توقيتها بطبيعة الحال، وفي لحظة سياسية تلائم الطموحات الروسية وتناسب المصلحة اللبنانية.

من حيث الشكل، كان الاهتمام البروتوكولي بالرئيس الحريري واضحا، والبرنامج راعى الاصول المعتمدة في حالات التفاوض بين الدول، لأن تفاصيل البرنامج تم استعراضه مع رئيس الحكومة الروسية ديمتري مدفيديف وبحضور الوفد المرافق في موسكو، بينما النتائج تبينت في اللقاء الذي جمع الرئيس الحريري مع الرئيس بوتين في منتجع سوتشي بحضور نادر الحريري فقط.

وكانت الإيحاءات التي ظهرت، كافية للدلالة على بعض النتائج المهمة التي حققتها الزيارة.

ان نقل جزء من اللقاء بين بوتين والحريري مباشرة على الإعلام، فيه شفافية مريحة، وإشارة على الأجواء الإيجابية التي رافقت الزيارة.

أما تصريح الرئيس الحريري بعد اللقاء، فقد كان كافيا لبيان أهمية الموضوعات التي طرحت خلال المباحثات، سواء كان الأمر يتعلق برغبة الفريقين في تطوير العلاقات التجارية المتخلفة عن العلاقات السياسية الجيدة بين البلدين ـ وفقا لتعبير الرئيس الحريري ـ أم لناحية الإشارة الى تطوير العلاقات العسكرية، في دلالة واضحة على فك الحظر الذي كان يمنع استقبال الأسلحة الروسية، منذ أن طرح الرئيس بوتين على لبنان تقديم 10 طائرات ميغ 29 في العام 2010، ولم يقبل لبنان هذه الهدية، بل عرض استبدالها بتجهيزات عسكرية أخرى.

هناك تباين واضح بين الواقع الذي يحكم مندرجات الزيارة في هذا الوقت بالذات، وبين المرتجى منها.

الواقع يحمل اختلافا بين الموقف الروسي من الأحداث في سورية، والذي يدعم النظام، وبين موقف لبنان الرسمي الذي يلتزم بقرار جامعة الدول العربية الذي ينص على مقاطعة النظام وتعليق عضوية سورية في الجامعة.

وفي واقع العلاقات بين البلدين، رضا من أطراف لبنانية وصداقة أفقية بين هذه الأطراف وموسكو، بينما هناك أطراف أخرى حذرة من تطوير العلاقة مع موسكو، نظرا لصداقة هذه القوى مع أطراف خارجية لا تتوافق مع سياسية روسيا.

أما المرتجى من العلاقات بين لبنان وروسيا، والذي قصدت زيارة الحريري الوصول إليه، في الوقت الذي بدا الاهتمام الروسي بالزيار انه يتطلع الى تحقيقه (اي تحقيق المرتجى) فهو مهم جدا، ويحتاج الى الخروج من محددات الواقع لكي يتم الوصول إليه.

فروسيا تريد ان يكون لها دور في استثمار النفط والغاز في شرق المتوسط ـ خصوصا على سواحل لبنان وسورية ـ لكي لا يكون غاز المنطقة الموعود منافسا لها في الأسواق الأوروبية، وهي تريد ايضا من لبنان، المساعدة في خطة تثبيت الهدوء في سورية، تمهيدا لإيجاد حل شامل للأزمة، ولا شك ان موسكو كانت مرتاحة لإنجازات الجيش اللبناني في جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك.

أما لبنان، فبطبيعة الحال يتطلع الى دور في إعادة إعمار سورية ـ إذا ما انتهت الحرب ـ ومفتاح هذا الدور يبدو جليا انه في موسكو، وليس في اي مكان آخر، سواء كان من خلال تسهيل عمل وانتقال الشركات الروسية الى سورية عبر المطارات والموانئ اللبنانية، او من خلال اعطاء دور للشركات اللبنانية في إعادة الإعمار في سورية.

وهذا بالتحديد ما تم بحثه في سوتشي وليس في موسكو.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل

الكويت ولبنان