الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

أثبت الجيش اللبناني في المرحلة القريبة الماضية، أنه جيش متطور، وقادر، ويتميز بتماسك وانضباط واسعين، ويشبه الجيوش المتقدمة من حيث الأداء القتالي الاحترافي، وكذلك الأمر، من حيث التزامه بالمعايير التي يفرضها القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الانسان، ذلك لأن الدور الذي ينتظره كبير، وهو يحظى بعناية محلية ودولية واسعة، لكن ذلك الدور وتلك العناية يضعانه بالمقابل محل رقابة متشددة تشمل كل المهام التي يقوم بها.

والتجربة التي خاضها الجيش في معركة «فجر الجرود» الاخيرة التي هدفت الى تحرير جرود رأس بعلبك والقاع في اقصى شمال شرق لبنان من عصابات «داعش» الارهابية، أكدت على دوره الوطني الجامع، والقت الضوء على قدرته على القيام بمهام كبيرة، ومتشعبة، وخطرة في آن واحد، من دون أن يغرق في تفاصيل السياسة وزواريبها. وكذلك فقد استطاعت قيادته تجنب المطبات المتعددة التي واجهته من جراء التشعب الواسع لزوايا معركة «فجر الجرود» مع الامتدادات الإقليمية والدولية للحرب السورية القاسية.

تعرض الجيش لحملة تشويش واسعة. منها التشكيك بأهداف معركته الأخيرة، والزعم انها تأتي لخدمة أطراف داخلية على علاقة بالازمة السورية، او لخدمة حرب «النظام» ضد خصومه في سورية. وعلى الضفة الأخرى: فقد قيل كلام كثير عن «مهمة أميركية – روسية» يقوم بها الجيش لمصلحة تهيئة الجو لتطبيق اتفاق حصل بين الدولتين الكبيرتين لإنهاء الحرب المستعرة في سورية منذ 6 سنوات.

لا هذه الادعاءات، ولا تلك المزاعم كانت صحيحة. فقد أثبت الجيش أنه قام بمهامه القتالية الأخيرة بدوافع وطنية لبنانية، وتنفيذا لقرار سياسي وطني جامع، شاركت فيه كل الاطراف الحزبية، وهدفه كان إزالة كابوس الارهاب من فوق رأس الوطن، وسحب البساط من تحت أقدام بعض الذين يدعون حماية اللبنانيين من خطرالارهاب، بينما هم يحملون اجندة مختلفة. وقد تعاطت قيادة الجيش بحكمة مع التداخلات الشائكة التي تحكم منطقة المعارك، دون أن يؤثر ذلك على إعاقة الانتصار، او التلهي بأمور جانبية على حساب الهدف الاساسي. وفي الوقت ذاته، لم يبد الجيش في اي خطوة من خطواته القتالية أنه يتلقى تعليمات من اي جهة، إلا من الجهات الرسمية اللبنانية صاحبة القرار.

استحق الجيش اللبناني في معركته الأخيرة تهنئة من كل القوى السياسية اللبنانية، واحتضانا غير مسبوق من كل فئات الشعب اللبناني التي تتمثل في صفوف ضباطه وجنوده. والتحية التي تلقاها الجيش من زعماء سياسيين من مشارب سياسية مختلفة، تؤكد الرضا العام عن أدائه، وعلى نبل المهمة التي قام بها، خصوصا بواسطة تلك التغريدات التي صدرت عن الرئيس نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط ود.سمير جعجع والشيخ سامي الجميل، ناهيك عن تأييد القوى التي تتمتع بوضع خاص في الحكومة كالتيار الوطني الحر وتيار المستقبل، وبطبيعة الحال حزب الله وحركة امل.

امام الجيش اللبناني مهام كبيرة في المستقبل، وأهمها: حفظ الاستقرار الداخلي من خطر الارهاب، ويراهن عليه المجتمع الدولي برمته في القيام بدور متقدم في هذا السياق. ومن ابرز مهامه ايضا التفويض المعطى له لحماية الدولة والاستقرار فيها.

وكل المؤشرات تدحض بعض المقولات التي تتحدث عن محاولة تسخير الجيش للقيام بمهام تخدم فئات سياسية ضد فئات سياسية أخرى. او ان يكون جيش الموالاة ضد المعارضة. هذه الافتراضات، لا يمكن ان تكون واقعية. وبطبيعة الحال، فإن قيادة الجيش التي أثبتت شجاعة، لا يمكن ان تنغمس في مثل هذه التجارب التي سقط في مستنقعها آخرون من قبل.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الكويت ولبنان