مجلس الشيوخ: التاريخ أكبر مصدر للعبر!

وهيب فياض (الأنباء)

كل أهل السياسة في لبنان، وكل من حولهم من المهتمين بالسياسة بل كل أهل الرأي والفكر والإعلام والأقلام، وأكاد أقول كل اللبنانيين، يعلمون أن إقتراح مجلس للشيوخ، من أجل كسر القيد الطائفي والمذهبي في مجلس النواب، الذي قدم للمجتمعين في الطائف لاقرار دستور ما بعد الحرب اللبنانية، كان إقتراحا من القيادتين الزمنية والروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز.

والكل يعلم أن مبررات هذا الاقتراح وطنية بامتياز، بل حاجة وضرورة لإعادة الاعتبار للمواطنية، ورفعها فوق مستوى الإنتماء الطائفي والمناطقي الذي ارتفع منسوبه بشكل مخيف يهدد وجود الكيان اللبناني بل يهدد بانفراط عقد العيش المشترك بين مكونات الشعب اللبناني.

الدروز في لبنان، أقلية هذا صحيح، ولكن تأثيرها في الحياة السياسية، بحكم كونها طائفة مؤسسة من جهة وكونها تتمتع بخاصية في الجغرافيا السياسية من جهة أخرى يجعل منها ملح الجمهورية اللبنانية، الذي لا بديل عنه وإن كان عاملا من عوامل رفع الضغط عند من يعانون من عوارض إرتفاع الضغط.

الهراوي-بري - رفيق الحريري

باستثناء حالات الاعتداء عليهم أو الاستهانة بهم، أو تهميشهم، لم يكن الدروز يوماً إلا عاملا موحداً للشعب اللبناني، بل حتى في تلك الحالات، بقيوا عند دفاعهم عن أنفسهم أمناء على الأسس التي قامت على أساسها الجمهورية اللبنانية.

إنهم حجر أساس قد لا يراه من يسكنون في الطوابق العليا لهذا الوطن، ولكنهم بلا شك، يشعرون بأهميته لبقاء البناء وتوازنه، خصوصا عندما يهتز هذا الحجر بفعل بعض العًوامل السياسية غير الطبيعية.

طائفة لم تطلب شيئا لنفسها، بل طلبت مجلسا للشيوخ يخفض منسوب الطائفية والمذهبية في دماء اللبنانيين وفي عضلات كيانهم.

طائفة تقودها الزعامة السياسية في زمن توهج القيادات الدينية.

طائفة خرجت من الاصطفاف العامودي الذي جعل الوطن بين نارين، لتكون بفضل وعي قيادتها وحسها الوطني جسرا للتواصل بين الجميع ولو إضطرت في أحيان كثيرة لرفع كل الطوائف على أكتافها، واحدة تلو الاخرى، كلما كانت هناك ضرورة وطنية لعبور جسر التواصل.

هل تستحق هذه الطائفة، وبمجرد طرح إنشاء مجلس للشيوخ، أن ينبري من يعلي الصوت ليؤكد أن هذا المجلس المنوي إنشاؤه والذي دونه عقبات، ترقى إلى حد الاستحالة، ليس من حقها التفكير في رئاسته، وأقصى ما يسمح لها فيه أن تسمي شيًوخها، هذا إذا لم يكن في نية البعض تسميتهم لها.

لم يطلب الدروز، ولا قياداتهم أي منصب.

جنبلاط

قبل الدروز الإقصاء عن الحقائب السيادية، منذ الطائف، ولكنهم ومن موقعهم المؤسس للبنان لم يبخلوا بأي جهد أو موقف أو تضحية في سبيل بقاء لبنان.

فلا تكسروا ولو بالقول، حجر أساس، قد يعاني من كسره سكان الطوابق العليا الذين لم يتفقوا بعد وقد لا يتفقون أبدا على المواقع والطوابق التي من حقهم السكن فيها.

فكيف إذا كسر حجر الأساس وإهتز البناء بفعل إضعافه ممن يدعون الحرص على البناء ويسكنون فيه؟

لم تستفد دليلة من قَص شعر شمشون!

وخسر شمشون كل شيء!

التاريخ أكبر مصدر للعبر!