آذار: شهر المناسبات التاريخية!

وهيب فياض (الأنباء)

قد يكون شهر آذار من أكثر الأشهر التي تتزاحم فيها مواعيد المناسبات التاريخية، وإن كانت بعض الأشهر الأخرى تحمل ذكريات أحداث لا تنسى طبعت على جسد أمتنا ووطننا.

وإذا كان حزيران زعيم شهر النكسات والحروب والاجتياحات والهزائم،
فإن شهر آذار هو بلا منازع شهر تحويل كل نصر إلى هزيمة وكل مصدر ضوء إلى ثقب أسود.

إنه شهر وصول حزب البعث العربي الاشتراكي بانقلاب عسكري، إلى السلطة في سوريا، تحت مسمى الثورة وشعار الوحدة والحريّة والاشتراكية لتتحول معه  الشعارات إلى مهزلة في الممارسة، فشعار الوحدة ترجم إنفصال الجمهورية العربية المتحدة وشعار الحرية طبق قمعاً وسجناء رأي ومجازر جماعية.

أما الإشتراكية، فقد أنتجت تحالفاً لمن جعل سوريا ملكاً لفرد مع من جعلوا ثروة سوريا نهبا لهم، مع الحفاظ على إشتراك جميع السوريين بتقاسم الفقر.

أما في لبنان، فان نفس التاريخ الذي حملته إحدى قوتي الصراع السياسي والذي إنطلق من قاعدة مقاومة العدو الصهيوني لاستعادة الأراضي اللبنانية المحتلة، تجلت في أوضح مصادرها، عبقرية تحويل شعارها من هدف وطني جامع إلى قضية فئوية مدمرة، ترفدها قوة عسكرية مفرطة، لتجعلها ذراعاً لأهداف خارجية، في معارك خارجية، بإرادة خارجية، ومردود خارجي
وليس للداخل فيه أي إعتبار أو حساب، سوى الاستعانة والاستقواء لمصادرة القرار الوطني.

أما الموعد الاذاري الآخر في الرابع عشر، الجامع للمتناقضات، فقد حول بنفسه وبوعي كامل منه مولوداً، كان يبهر العالم بجماله، من إبن شرعي للوحدة الوطنية، إلى مخلوق هجين مشوه، تحمل جيناته، كل أمراض أهله الوراثية، منذ رفض أهله حقنه بلقاح إكمال ثورة الأرز وإسقاط الحكم قبل الاختلاف على تقاسم مغانم السلطة وعلى حقوق الطوائف.

اللائحة تطول ولكن يبقى موعد مضيء، لم تستطع المواعيد الأخرى إخفاء ضوئه: موعد يخجل منه القاتل، ويفتخر به القتيل.

موعد يختلف اللبنانيون على كل شيء ويتفقون على منع العواصف من إطفاء شمعته.

موعد تقدسه فلسطين، فيستعصي على من يتاجرون بها نزع ثوب قداسته
وترفعه العروبة راية فيستحيل على أعدائها أو على المدعين أبوتها
تنكيسها.

موعد تجتمع الأحزاب على إختلاف إتجاهاتها، والطوائف على عمق إنقساماتها، وقوى الحركات الوطنية أنى كان تموضعها، لتمجده بصدق.

إنه موعد وضع الزهرة على ضريح شهيد كل المتناقضين مصالحاً، المتفقين رغماً عنهم مصيراً.

إنه موعد الوفاء لقداسة حقيقية يكرسها الموت في سبيل المبدأ لا قعقعة السلاح وحب السلطة.

إنه موعد الإنسانية مع السادس عشر من آذار أمام ضريح من لا لقب له أكبر من إسمه: كمال جنبلاط!