أي ترابط بين سايكس بيكو جديدة ووعد بلفور جديد؟

وهيب فياض (الأنباء)

يوم جلس سايكس وبيكو وقررا تقسيم منطقتنا إلى دويلات ليس لأي منها مقومات الدولة الحقيقية كان على الوجه الآخر للخريطة نسخة أصلية من وعد بلفور وخرائطه، لتلازمهما.

ففي بدايات القرن العشرين، كانت المنطقة العربية الخارجة لتوها من كهف الحكم العثماني لا زالت مبهورة بوهج حضارة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وبنور قيم الجمهورية التي أرسى قواعدها من هدموا سجن الباستيل خرج العرب من الكهوف، بعد نوم عميق حلموا فيه بالاستقلال والوحدة، وإنشاء الدولة العربية بقيادة الشريف حسين.

Sharif_Husayn

أحمد عرابي في مصر، والشريف حسين في الجزيرة العربية، وبعده فيصل في بلاد الشام، ابتلعوا الطعم الذي أعده لورنس العرب وجنرالات بريطانيا وفرنسا بعناية، ولم يحسوا بالصنارة العالقة في خياشيمهم إلا بعد حين!

لورنس-العرب-بزي-العربي

 ما خطر ببال أحدهم أن يقلب صفحة سايكس بيكو ليقرأ وعد بلفور وخرائطه على وجهها الآخر، إلا عندما اكتمل السيناريو بإنشاء دول هجينة لا طعم لها، جعلت الشعب شعوبا، والامة كيانات، وبالمقابل ركزت أسس دولة إسرائيل على جزء من فلسطين، وهجرت اَهلها الى تلك الدول الهجينة، على أمل عودة منتظرة، ولكن لا موعد لها، لتشبه موعد يوم القيامة التي من استقربها كفر، ومن استبعدها كفر.

Balfour

 وبعد مئة عام، ها هم العرب يخرجون مجددا من كهوف إستبداد من نصبوا أنفسهم حكاما على الدول الهجينة، مبهورين مرة اخرى بأنوار شعارات الحرية والديمقراطية، وكأن حاكم أميركا هو جورج واشنطن او توماس جيفرسون، لا مافيات وكارتيلات صناعة وتجارة السلاح وسماسرة إشعال الحروب للارتزاق، بل لكأن الإدارة الأميركية قد أعدت لهم وصفة للرخاء والعدالة والحريّة، تزهر في ربيع عربي، بعد جليد شتاء الدكتاتوريات، كخدمة مجانية لا دافع لها سوى إيمان أميركا بشعاراتها الجميلة الشكل الفارغة المضمون.

مرة أخرى نسي العرب أن يقرأوا الوجه الآخر لوصفة الربيع العربي المستبدلة أوراقه الخضراء بحروبه الحمراء، مع أن الأثر واضح والتجليات سريعة مجاراة  للعصر.

ألم تسفر الوصفة حتى الآن عن نتائج مماثلة إلى حد التطابق مع نتائج سايكس بيكو؟

ألم تُخلْق دولة داعش؟

daesh_0209

ألم يرافقها تطهير عرقي واثني وديني وطائفي ومذهبي؟

ألم تخلف دمارا وخرابا وتهجيرا ولجوءا؟

أليست نسخة عصرية منقحة ومزيدة عن أحداث ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي؟

ألا يدعونا كل ذلك إلى النظر إلى الوجه الآخر للوصفة حتى لا نقع في الغباء مرتين؟

ألا ترون أن وجه تفتيت المفتت وتقسيم المقسم، باتجاه دول في كل دولة، هو في وجهه الآخر تحقيق لهدف يهودية دولة إسرائيل، وما يستتبعه ذلك من تهجير للعرب الذين بقيوا في أرضهم، إلى دولة، قد يؤسسها تنظيم الدولة الإسلامية ولكنه بالتأكيد لن يحكمها، وربما سميت يوما ما فلسطين امعانا في تمريغ انوفنا، أما من لا يتوالف وضعه مع هذه الدولة المستحدثة، فله خطط بديلة.

SETTLEMENTS

أما باقي المقسم بعد التقسيم والمفتت بعد التفتيت، فلها من يحكمها ممن يشكلون أذرعا لدول الجوار والإقليم، العائدون من حروبهم العبثية مثخنين بجراح استنزفت الدماء، ولا يمكن تعويض دمائها بدماء عربية، فيستعاظ عنها بدماء من نفس الحزمة وإن نطقت بلغات أخرى.

كلما اعتقدنا أننا خرجنا من الكهف، وجدنا أنفسنا في كهف آخر من نفس المتاهة!

نحن أهل كهف، ولكننا لسنا من طينة من ذكرهم القرآن الكريم:

هم لبثوا في الكهف إيمانا
ونحن لبثنا في الكهف تعصبا وكفرا
ولكن نباح كلبنا أعلى من نباح كلبهم