عندما يخسر “الحراك” المدني مدنيته!
رامي الريس
16 سبتمبر 2015
سبق أن كتبنا في هذه الزاوية أن أي عاقل لا يمكن له أن يتنكر للمطالب المحقة والمشروعة التي ينادي بها “الحراك المدني”، وأن أحداً لا يمكنه ألا يشارك هؤلاء الرأي بأن المجتمع السياسي اللبناني أخفق في العديد من المواقع وأهدر العديد من الفرص السياسية والإقتصادية.
ونجدد التأكيد أن المطالب مشروعة ومحقة والتحرك الديمقراطي السلمي يكلفه الدستور طالما كان منضبطاً تحت سقف القوانين والأصول المرعية الإجراء. وأحقية هذه المطالب فضلاً عن الأداء السيء لبعض مكونات السلطة السياسية وفقدان الثقة بالدولة هو الذي أدى إلى نزول عشرات الآلاف من المواطنين في 29 آب الماضي.
لكن، كما بات واضحاً من تجربة التاسع من أيلول التي لم ينجح الحراك أن يحصد فيها حضوراً ومشاركة ملحوظة (ولو أن المسألة لا تستقيم من خلال النظر إلى المواطنين كأرقام) ولذلك أسبابه التي تتعدى بطبيعة الحال الظروف المناخية يومذاك.
رويداً رويداً يتحول هذا الحراك السلمي الديمقراطي “العلماني” (في مكان ما) إلى أن يُختزل بمجموعة من الشبان الذي لم يتوانوا عن ممارسته عكس ما يطالبون به. هم يطالبون بدولة تراعي مطالبهم وشؤونهم وتمارس وظيفتها كدولة ويساهمون يومياً في كسر هيبتها ويتعرضون لرجال الأمن فيها بما يتخطى حدود التظاهر السلمي عبر الخطوات الإستفزازية المتتالية ضد هؤلاء. وغني عن القول أن التعرض للمتظاهرين أيضاً مرفوض ومدان.
كما أتت واقعة وزارة البيئة الشهيرة حيث إحتل بعض الشبان مقر الوزارة وممراتها مطالبين بإستقالة الوزير، وهذا الأسلوب إنعكس أيضاً على حظوظ هذا التحرك بالنجاح المكتمل، ليس لأن مطلب إستقالة الوزير غير مقبول، بل لأن الأسلوب المعتمد لن يؤدي الى الغرض المطلوب.
فهل أن الآلاف من المواطنين الحالمين بالتغيير والمطالبين بالإصلاح من الفساد المستشري وشاركوا في التظاهرة بعفوية وقناعة، يقبلون بهذه الأساليب المعتمدة التي تماثل أساليب قطاع الطرق والرعاع. وهل هكذا يُخاض النضال السلمي إلا إذا كان المطلوب إدخال البلاد في الفوضى.
قد يكون هذا الضغط ساعد في مكان ما بولادة خطة الوزير أكرم شهيب لحل أزمة النفايات، ولكن ماذا بعد؟ وهل أصبح كل اللبنانيين خبراء بالبيئة والطمر والردم و”الكومبوست” والعوادم والنفايات عموماً؟ لماذا لا يُترك المجال لهذه اللجنة لتنفيذ مشروعها عبر السلطات المختصة وينتقل “الحراك المدني” إلى ملف آخر لممارسة الضغط فيه؟
أخيراً، كلمة حول الأداء الإعلامي في هذه المرحلة. لبنان كان ولا يزال ويحب أن يبقى متنفساً للحرية الإعلامية وأي مسّ بهذا الأمر هو بمثابة المس بجوهر الكيان اللبناني. ولكن ما حصل في الآونة الأخيرة هو أن العديد من المراسلين قد خلعوا ثياب المهنة ولبسوا ثياب التظاهر، وهو حق لهم على كل حال، ولكن ليس أثناء ممارستهم لعملهم ونقلهم للوقائع الميدانية على الأرض. ثم أن فتح الهواء المتواصل لبعض الشاشات يثير الإستغراب والكثير من علامات الإستفهام؟
إن العمل الإعلامي المستند إلى نقل معاناة الناس شيء والتحريض الإعلامي المرتكز إلى حسابات لا تتقاطع بالضرورة مع مطالب الحراك الشعبي شيء آخر.
من هنا، “الحراك” مدعو لإلتقاط اللحظة والإبتعاد عن العمل على قاعدة “عنزة ولو طارت”.
—————————————–
(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة
Facebook: Rami Rayess II
Twitter: @RamiRayess